الشقاء الخفي |
15 أكتوبر 2025 • بواسطة مودة • #العدد 25 • عرض في المتصفح |
|
من الحقائق التي نتجاهلها — ربما بشكل غير مقصود — أن الشقاء سُنة كونية لا تنفك عن أحد. |
نعم لا نحب هذا الاعتراف! لأنه يُربك صورة الحياة المريحة التي تُباع لنا كل يوم في جرعات صغيرة: |
إعلانات تعدنا بالراحة، تطبيقات تبشرنا بالسهولة، ومحتوى يهمس بأننا على بُعد نقرة من “الطمأنينة الدائمة”. |
لكن مهما نلنا من الرفاهية، لا ننجو من لسعة خفية تذكّرنا أن في عمق كل راحة بذرة تعب، وفي عمق كل تعب لمحة معنى. |
حين تكون فقيرا تشقى بمحاولة الثراء، وحين تصبح ثريا تشقى بالمحافظة عليه أو زيادته. حين تنال إجازة لتستمتع بالفراغ، تشقى بالملهيات. وحين تسافر بحثًا عن الخفة، تشقى وأنت تخفف من أمتعتك. |
كنت أتحدث مع صديقتي رفاه عن هذه الحالة المزعجة التي تصيبني كل مرة أرتّب فيها حقيبتي للسفر، أحاول أن أقلل منها، وأتبرع ببعض القطع، ثم أتردد، ثم أعود للترتيب من جديد. |
ضحكت وقالت: “لماذا كل هذا الشقاء؟” |
قلت: “لأني أحاول أن أسهّل رحلتي، أن أتنقل بخفة.” |
ضحكنا قليلًا، ثم سكتنا. |
وفي ذلك الصمت، أدركنا أن الإنسان يخفف من شقاء ليتحمّل شقاء آخر، وكأن الحياة تخبرنا في كل مرحلة: “لن تُعفى من المشقة، لكن يمكنك أن تختار نوعها” |
ربما هذه هي الحكمة التي نتعلمها ببطء: أن الحياة ليست بحثًا عن الخلو من الشقاء، بل عن التوازن بين ما يُرهقنا وما يُنمّينا، بين ما نتخلى عنه وما نبقيه معنا في الرحلة. |
وفي النهاية، ليست الغاية أن نعيش بلا شقاء، بل أن نحيا بحضور كافٍ يجعلنا نعترف بأن كل شقاء يستحق الصبر عليه. |
التعليقات