في حضرة مرسيل ورامي "ليلة تهزّ الصمت" - العدد #22 |
31 مايو 2025 • بواسطة مودة • #العدد 22 • عرض في المتصفح |
هل يستطيع الفنان الحقيقي أن يُتقن التنكّر؟ أن يصطنع حالة لا تشبهه؟ أم أن الفنّ في جوهره انكشافٌ لا يُطاق، وصوتٌ يخرج من عمق الغربة والسخرية من هذا العالم الجشع؟
|
|
![]() |
مرسيل خليفة لا يجيب بالكلمات، بل بأنين أصابعه حين تتحرك على الأوتار. أنينٌ خافتٌ، منفيّ، يتسلل من وتر إلى وتر، وينفذ إلى قلبك وجسدك دفعةً واحدة. |
تجلّت هذه الحالة الشعورية في مرثيّته التي افتتحها بمقطوعة “الخيام”، وقال عنها: |
“أهديها تحية للدكتورة آلاء التي خسرت أطفالها، وإلى الثلاثين ألف طفل الذين استشهدوا وأكثر، وتحية لكل هؤلاء الذين سقطوا على تربة نظيفة.” مرسيل خليفة |
ثم ينزاح الصوت إلى معزوفة “يطير الحمام، يحط الحمام”، ليست مجرّد لحن، بل احتفاء بالجمال الهارب، واللقاء المعلّق بين عاشقين لم يجتمعا، وأرضٍ لم تسترح، وذاكرة لن تعود. لم تكن الأصوات الخجلى تساير صوته، بل تعلّقت به كأنها تخشى أن ينتهي. وحين يغنيها تصبح مرآة لحالة وجودية: التوق، التوقف، والرغبة في البقاء. |
“أحنّ إلى خبز أمي، بين ريتا وعيوني بندقية، منتصب القامة أمشي…” قصائد لم تكن كلمات فحسب، بل همساتٌ مشتعلة، تلوّح من بعيد ولا تنطفئ. |
ثم جاء رامي خليفة، ابن العود ووريث النغمة الثاقبة، لا كعازف بيانو عادي، بل كعاصفة. هوسه الموسيقي يزلزل. في كل مرة يلمس فيها المفاتيح، لا يُطربك، بل يكسر شيئًا فيك ثم يعيد تشكيله من جديد. لا يرضى بالمفاتيح وحدها، بل يكشف الأوتار خلفها، ويضربها برقةٍ وقبضة، كأنك في ساحة معركة مشحونة بفوضى صادقة، وعطش لا يرتوي. |
ابن الحرب، ابن الهجرة، وابن السؤال الكبير: ما الموسيقى حين لا تُنقذك؟ إن لم تفضح كتمانك؟ |
هو الفطرة الفذّة، والموهبة التي لا تُروى، بل تُعاش. |
ليلة الزفاف، وتشييع للآلام، ومقاومة الصمت والوجع، وإعلان للحب والصمود… هكذا كانت ليلة مرسيل ورامي خليفة وهكذا قضيت ليلة ميلادي، مغمورة بالمشاعر، محاطة بصمتٍ جليل في حضرة هذا الجمال. |
التعليقات