خطة التطوير الشخصي ج 4 والأخير "الصديقات"

بواسطة مريم الهاجري #العدد 51 عرض في المتصفح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلًا وسهلًا بكم من جديد.. يفترض أن تقرؤوا اليوم عدد خاص بـ أول اثنين من فبراير كما اعتدنا.. ولكن لأنه لا ينبغي أن نفصل بين أجزاء سلسلة الصديقات.. لذلك بحول الله سيصلكم اليوم عددان من عمق على غير العادة.

نُكمل اليوم الجزء الرابع والأخير من خطة التطوير الشخصي، هنا تجدون الأعداد: الأول، الثاني، والثالث لمن فاتته.

🌸 🌸 🌸

واصلت إيمان حديثها:

لكي يعيش المرء باتزانٍ نفسي وعاطفي، هناك جوانب داخلية، وجوانب خارجية عليه الاعتناء بها جميعًا معًا لكي يستعيد توازنه النفسي، ويكون أكثر رضا عن نفسه.

بادرتها نُهى متلهفة، ما هي؟

قالت إيمان: أنت تعرفينها نُهى.. ولكن ربما لا توظفينها بالشكل السليم.

أولًا: تحتاجين إلى التعبير عن مشاعرك، ويكون ذلك بطريقين لا ينفصلان:

1. ممارسة الكتابة اليومية للتعبير عن أفكارك ومشاعرك، وكتابة الأحداث التي ساءتك ذلك اليوم، حتى لو مزقتي الورقة فيما بعد، اكتبي رسائل صباحية لنفسك، واستمري على ذلك.. راقبي التحسن المفاجئ الذي ستحصلين عليه.

2. تحدثي عن مشاعرك وهمومك لشخص قريب من روحك، ويكون محل ثقتك.

ثانيًا: تحتاجين أيضًا إلى تعزيز ثقتك بنفسك، ويكون ذلك أيضًا بشيئين لا ينفصلان:

1. كل يوم وقبل النوم اكتبي قائمة إنجازاتك حتى ما ترينه بسيطًا، كأداء الصلاة في أوقاتها، قراءة كتاب، الْتزام الغذاء الصحي، مكالمة مع قريبة.. هذه كلها أشياء حسنة قمتِ بها، إذًا هي إنجازات.

2. توقفي عن مقارنة نفسك بالآخرين، فـ نُهى ليست إيمان، وليست سارة ولا غيرهما.. نُهى شخصية مستقلة، حبيبة ولطيفة وطموحة، لها إنجازات، وسيكون لها أهداف حقيقية مثل أي شخص طموح في العالم. ظروفك يا عزيزتي تختلف عن ظروفي وعن ظروف سارة، وأي شخص آخر، وكذلك قدراتك ومهاراتك وعلاقاتك.. فابتعدي تمامًا عن المقارنة.

أستاذة نادية مثلًا.. ترين أنها ناجحة صح؟ 

قالت نُهى: بالتأكيد، ومِن أنجح مَن رأيت.. شخصية مميزة حقيقة.. ياليتني كنت مثلها!

قالت إيمان: أما أنا فلا أريد أن أكون مثلها! لأن لي شخصيتي المستقلة، وأهدافي وظروفي الخاصة.. وهي أيضًا لا تُقارِن نفسها بأحد، سِرُّ نجاحها يا نُهى أنها انشغلت بنفسها عن مراقبة الآخرين فنجحتْ، وأخذتْ بأيدينا معها للنجاح.. إنها لا ترضى بأي خاملٍ في الفريق، ولاحظي أنها حتى نحنُ لاتقارننا بأحد، بل تجعل كل منّا يُركّز على نفسه ونجاحه، المؤدي إلى نجاح الفريق.

آها.. فهمت.. قالت نُهى.

ثالثًا: اهتمي بالراحة النفسية:

أوجدي لنفسك وقتًا بعيدًا عن تزاحم الأعمال وضوضاء الحياة، اقرئي القرآن وتأمّليه، وتأمّلي نعم الله المحيطة بك، اعملي تمارين التنفس لإبعاد التوتر والقلق، استرخي، مارسي هواياتك. أذكر أنك حدثتيني أنك كنت رسامة؟

قالت نُهى: كان ذلك يوم كنت في المرحلة الابتدائية.

قالت إيمان: لا زال بإمكانك استعادة هوايتك.. ارسمي.

سألتها نُهى: ماذا أرسم؟! لم يعُد عندي قُدرة على ابتكار الأفكار 😣 

أجابتها إيمان بمكر: لقد أصح لديك القدرة على ابتكار مفردات مع هذا النقاش الطويل.. ارسمي كثيرًا، وسيكون لديك القدرة على ابتكار الأفكار.. أنا واثقة من ذلك 😎

رابعًا: اهتمي بعلاقاتك الاجتماعية، فالإنسان مدني بطبعه! ونادرًا ما يكون منعزلًا مفضّلًا للعزلة. تواصلي مع أقاربك.. مع أصدقائك، مع معارفك.. ابدي شيئًا من الاهتمام بهم.

كوّني علاقات مع أشخاص يشاركونك اهتماماتك، ليُحفّز بعضكم بعضًأ.

قالت نُهى: مشكلتي يا إيمان أنني لا أملك مهارات في هذا ☹️

قالت إيمان: هذا سهل، "إنما العلم بالتّعلُّم".

قالت نُهى: وكيف أتعلّم؟!

أجابتها إيمان: بقراءة كتب أو مشاهدة فيديوهات، أو حضور دورات عن الذكاء الاجتماعي والعاطفي، ومهارات الاتصال، والتدرب على تطبيقاتها.

أيضًا شاركي في الأعمال التطوعية في الأنشطة المجتمعية، سواء الواقعية أو الافتراضية، تطوعي بمهاراتك، فهي بذل خيرٍ للمسلمين، وتغيير روتين، واكتساب صفات اجتماعية حسنة.

قالت نُهى يائسة: أوووه يا إيمان.. من أين لي بطاقة لكل هذا؟!

قالت إيمان: اهتمي بجسدك، ليكن للرياضة نصيب في يومك، ولو كان قليلًا، فقليل دائم خير من كثير منقطع، امشي ولو على فترات متقطعة طوال اليوم، مارسي التمارين المنزلية واليوتيوب ملئ باحتياجك.

واهتمي بالغذاء السليم، فالعقل السليم في الجسم السليم، كما كنا نقول في المدارس 😉 اكملي احتياجك من الماء، فهو سرُّ الحياة. ونامي احتياجك من النوم، لا أكثر ولا أقل.

إن اعتماد ساعة بيولوجية للغذاء، والنوم، والتمارين، والعمل، له تأثير كبير جدًا على صحة الجسم ونشاطه، تأثيرٌ ربما لا تتصورينه! ولكن لو طبقتي نظام الساعة البيولوجية مع كلامي السابق، واعتمدتِ روتين مريح قبل النوم، ستتفاجئين بالنتيجة، أنا متأكدة.. بل ستشكريني أيضًا.

سأشكرك على كل حال 😍 قالت نُهى.. صمتتْ قليلًا.. ثم قالت: إيمان! دعيني أفكر قليلًا..

قالت إيمان: الوقت كله لك عزيزتي.

نهضت نُهى.. استدارت حول إيمان.. ثم توجهت للطاولة عند الشرفة، ونسيم فبراير البارد يداعب الستارة.. امتدت يدُ نُهى تداعب بتلات الورد الرقيقة.. وتتأمل في نفسها: رحلةُ هذه الوردة مذ كانت بذرة حتى وصلت إليها لتبتسم حينما اقتربت منها.. كان تأملًا عظيمًا شعرت به نُهى.. فعادت إلى إيمان وجلست في مكانها قائلة: لقد تحدثتِ كثيرًا عن مشاعري وعواطفي، وشخصيتي، واتزاني وعلاقاتي.. وبقي جانب مهم.. هو كل ما يتكلم لأجله المتحدثون.. أتوقع أنك عرفتيه!

ابتسمت إيمان وقالت: بل بقي جانبان اثنان وليس واحدًا، وما تكلمتُ عما سبق وابتدأتُ به إلا لكونه الأساس الذي ستتقنين به ما بعده!

لدينا الجانب المهني والمالي وفيه:

1. تحديد أهدافك المهنية: بمعنى ماذا تريدين أن تكوني؟ ولماذا تريدين هذا الشيء بالذات؟ فإذا جزمتِ بضرورته، وأنه هو مستقبلك، كتبتِ له أهدافًا قصيرة وطويلة المدى، وقد تساعدك طريقة "وضع الأهداف للوقت الراهن" التي وضعها  جاري كيلر وجاي بابسان في كتابهما "الشيء الوحيد" . بعد ذلك عليك أن تُعزّزي فرص نجاح أهدافك وتحقيقها باكتساب المهارات والتطوير والتدريب في هذا المجال الذي تعملين وتسعين فيه. هذا باختصار في الجانب المهني.

2. أما الجانب المالي: فعليك إتقان إدارة المال، قد تتساءلين كيف! فأجيبك بأنه السهل الممتنع 🙃

بدايةً راقبي إنفاقك الشهر الماضي.. وحددي منه الضروريات، والكماليات، ما يجب أن تلتزمي بإنفاقه، وما يمكنك الاستغناء عنه، والاستعاضة بادّخاره كله أو جزءًا منه.

ثم ضعي ميزانية شهرية لإنفاقك بناءً على دراسة واقعك السابقة. وكوني حازمة في تنفيذها ما أمكن.. ويمكنك التجربة والتعديل حتى تصلي إلى ميزانية مناسبة.

والجانب الذي نسيتيه.. هو الجانب الترفيهي يا نُهى!

قالت نُهى: أوووه يا إيمان، في مثل هذا الازدحام والقلق، متى نُرفّه عن أنفسنا؟

قالت إيمان: هنا يجب الترفيه! لكي تستعيدي لياقتك ونشاطك، لكي تتفتق الأفكار في ذهنك، لكي تنزاح الهموم عن قلبك وروحك، لا بُدّ من ساعات أسبوعية تمارسين فيها هواياتك، ورياضاتك، أو تجربين شيئًا جديدًا لم تجربيه من قبل.. عيشي جمال التجارب الجديدة، زوري أماكن لم تزوريها من قبل، اذهبي لأماكن هادئة تجلب الراحة والاسترخاء كالبر أو البحر، لا بُدّ من ساعات أسبوعية سواء كنت لوحدك أو برفقة عائلتك، تكون خاصة لروحك، ليس لضغوطات الحياة فيها نصيب.

قالت نهى: طيب.. ممكن... وصمتتْ!

بادرتها إيمان: أعلمُ.. نسيتي شيئًا مما قلت..

ضحكت نُهى: لا، لم أنسهْ، ولكن كيف لي بالربط بين كل ما قلتِ..

قالت إيمان: لم أغفل عن ذلك.. ملخص ما ذكرته مذ غادرت سارة حتى الآن تجدينه هنا في هذه الخريطة الذهنية، ولترتيب يومياتك وتخطيط أوقاتك ستفيدك "أجندة ميم" كثيرًا فهي مرتبة حسب النمط الربع سنوي والنمط الأسبوعي، وهذان النمطان دقيقان في وضع أهدافك نصب عينيك دائمًا ويساعدانك في رؤية أوقاتك على الحقيقة.

خريطة ذهنية للخطة الشخصية من تصميمي بواسطة كانفا

خريطة ذهنية للخطة الشخصية من تصميمي بواسطة كانفا

أها.. هكذا جيد.. شكرًا إيمان.. شكرًا من كل قلبي، سألتزم بما رسمتِ هنا وما قلتِ مثل الألف.. ولكن سؤال: لو تعذّر تنفيذ شيء منها، أو اكتشفت مع التطبيق أنه غير مناسب للتنفيذ، وغيره أفضل منه.. ما العمل؟

قالت إيمان: هنا عليك في الشهر الأول أن تُقيّمي تقدمك  أسبوعيًا، وتُعدلي الخطة  حسب ما ترين وحسب احتياجك، كوني مرنة في وضع الخطة، احتفلي بإنجازاتك الصغيرة، أخبري بها من حولك حال حدوثها، افرحي بها، واعلمي أن الحياة جُبلتْ على الكدر والتعب {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، لذلك التزمي بالصبر والإصرار، ولا تيأسي عند أول إخفاق.. فكل الناجحين حينما نهضوا بعد سقوطهم، لم يُغيّروا أقدامهم.. بل غيّروا أفكارهم.

وكل رموز النجاح في العالم لم يُدركوا النجاح من أول مرة،.. بل إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلّت سرية يمضي بها على مهل 3 سنوات، حتى أذن الله له بالدعوة جهرًا، أفنطمح أن ننجح دون إخفاق ومن الشهر الأول.

قالت نُهى: يا الله يا إيمان.. ما أجمل حديثك.. ثم ابتسمت قائلةً: هل ستتابعين معي 😅

قالت إيمان ضاحكة: وبالعصا.

🌸 🌸 🌸

عودة إلى عمـــــق

انتهت قصة نُهى التي تعاطف معها الكثير، لقد غادرت سارة التي أثارت مشاعر نُهى كثيرًا وأحزنتها برحيلها، وأظهرت إيمان ما في جُعبتها من حديث عن التخطيط الشخصي بصورة واقعية وبعيدًا عن التنظير.. فهل لا زلت متعاطفًا مع نُهى؟ وأي الشخصيات أعجبتك أكثر؟ وهل أقنعك أسلوب إيمان، وترى أنك استفدت من حديثها وربما تطبّق ما فيه؟

🌸 🌸 🌸

إلى هنا نختتم هذا العدد، وقصة الصديقات ضمن إطار التطوير الشخصي التي قضينا فيها 4 أعداد. شكرًا لكم حيث أمضيتم كل هذا الوقت معي.. أسأل الله أن يتقبله مني، ويُفيدكم به. وتذكروا أن مشاركته مع الآخرين قد يفيدهم فتكسبوا أجرا.

ويسعدني أن تختاروا معي موضوع العدد القادم.. وأي تساؤلات لأجيبكم عنها، فعلى الرحب والسعة.

وانتظروا اليوم أيضًا عدد أول اثنين كالعادة بداية كل شهر، بحول الله.

لطلب خدمات الكتابة
مشاركة
عـمـــــــــق

عـمـــــــــق

على سبيل الفضول والبحث والطموح كل اثنين ستشرق "عمــق" بها شيئًا من قناعاتي وقراءاتي وعاداتي كي نرتقي معًا

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من عـمـــــــــق