نشرة عبدالوهاب الصادق القايدي البريدية - العدد #1

9 مايو 2025 بواسطة عبدالوهاب الصادق القايدي #العدد 1 عرض في المتصفح
خلّيها على الله 

خليها على الله… الفلسفة التي نعيشها دون أن نكتبها

بقلم: محام. عبدالوهاب القايدي

في زحام الأيام، حين تتشابك الهموم وتتقاطع الحكايات، ينبعث من بين الأنفاس المرهقة همسٌ نعرفه جميعًا:

“خليها على الله.”

عبارة قصيرة، لكن وقعها على النفس كبلسمٍ يُسكب على الجراح. ليست مجرد تهدئة لغوية نُسكت بها ضجيجنا الداخلي، بل هي حكمة شعب، وتعبير صادق عن فلسفة حياةٍ لا تُدوّن في كتب، بل تُحفظ في القلوب وتُورث في الألسن.

يقولها من خسر ماله، لكنه لم يخسر ثقته في الرزاق.

تهمس بها أم سهرت الليالي، حين يعجز الطب، ولا يعجز الرجاء.

ينطق بها المظلوم لا ليتنازل عن حقه، بل ليضع قضيته بين يدي من لا يُظلم عنده أحد.

“خليها على الله” لا تُقال في بداية الطريق، بل حين تُستنزف الأسباب وتضيق السبل، ويقف الإنسان على عتبة العجز… فيرفع عينيه نحو السماء، ويُسلم الأمر لمن بيده مقاليد كل شيء.

هي ليست تواكلاً ولا تهرّبًا من المسؤولية، بل إدراك عميق أن الإنسان مهما بلغ، يبقى محدود القدرة، وأن في التسليم لله حكمة لا يدركها إلا المجرّبون.

هي فلسفة “الترك الواعي”، حين يعرف القلب أن ما لا يُصلح بالعقل أو المال أو التدبير… قد يُصلح بالدعاء والتسليم.

وفي هذا الترك، راحة.

راحة من التوتر، من الهلع، من التشبث المرهق بالأشياء.

راحة من محاولة التحكم في ما لا يُتحكم فيه.

راحة لا يفهمها إلا من ذاق مرارة التعلق، ثم حلاوة التفويض.

حين تسمع أحدهم يقول: “خليها على الله”، لا تمرر العبارة مرور الكرام.

تأملها… ففيها تختصر تجربة أمة، وتنعكس عقيدة مجتمع، وتنبض قلوب تعلّمت أن الركون إلى الله ليس ضعفًا، بل قوة لا تُقهر.

خليها على الله

فما وُكِل لله، لن يضيع.

وما استُودِع عنده، عاد بأجمل مما يُرتجى

مشاركة
نشرة عبدالوهاب الصادق القايدي البريدية

نشرة عبدالوهاب الصادق القايدي البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة عبدالوهاب الصادق القايدي البريدية