نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #15

يعتقد كثير من الكتّاب المبتدئين أن الفكرة وحدها تكفي.

لكن الكتابة الحقيقية تبدأ بعد الفكرة، عندما تجلس لتفكّر: كيف أقدّمها؟ ما السؤال الذي تطرحه؟ وما الطريق الذي ستسلكه في ذهن القارئ؟

الفكرة في بدايتها مثل نبتة صغيرة، تحتاج أن تُروى لا أن تُجتث.

ولكي تكبر، يجب أن تمرّ بثلاث مراحل واضحة: الاكتشاف، التنظيم، والصقل.

في مرحلة الاكتشاف، لا تحكم على الفكرة سريعًا. اسمح لها بالتمدد، اكتب عنها كما تأتيك دون ترتيب أو خوف من الفوضى. كلّ جملة في هذه المرحلة هي مادة خام، لا تُقيَّم الآن.

ثم تأتي مرحلة التنظيم، حين تبدأ في رؤية العلاقات بين الجمل. أيها تمهيد؟ أيها محور؟ وأيها نتيجة؟

هنا، يتكوّن الهيكل الطبيعي للمقال: بداية تشدّ القارئ، وسطٌ يشرح الفكرة، وخاتمة تمنحه خلاصة أو سؤالًا يفتح أفقًا جديدًا.

أما مرحلة الصقل فهي الأهم:

أن تعيد القراءة بعينٍ ناقدة لا بعين الكاتب، تحذف الزوائد، وتعيد ترتيب الفقرات لتجعل النصّ يتنفس بسلاسة.

أحيانًا لا تحتاج إلى إضافة كلمة جديدة، بل إلى حذف عشر كلمات زائدة ليبدو النص أكثر وضوحًا.

أتذكر أنني كتبت مرة فقرة بسيطة عن مشهدٍ في مكتبة، ثم قرأتها بعد أيام بعين مختلفة.

وجدت أن ما كتبت لا يحتاج إعادة كتابة، بل توسيعًا، أن أشرح خلفيته وسياقه ومغزاه.

بعد ساعات من العمل، تحوّلت الفقرة القصيرة إلى مقالٍ كامل، وكل ما فعلته هو أن أصغيت للفكرة حتى قالت كل ما تريد.

كل فكرة صغيرة تُخفي بداخلها مقالًا كامنًا. وظيفتك أن تخرجه بلطف، لا أن تدفعه ليتحدّث قبل أن ينضج.

🧠 تمرين هذا الأسبوع:

افتح دفترك أو ملف ملاحظاتك، واختر فقرة قصيرة كتبتها سابقًا – لا تتجاوز خمسة أسطر.

أعد قراءتها بتمعّن، ثم أجب على سؤالين:

1. ما الفكرة المركزية التي تحملها؟
2. ما الذي يمكن أن يُضاف لتصبح مقالًا متكاملًا؟ ابدأ بالكتابة فورًا، وستكتشف أن نصف المقال كان يعيش فيك منذ البداية.