نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #12

19 أكتوبر 2025 بواسطة ساجد العبدلي (طبيب، وكاتب، وناشر) #العدد 12 عرض في المتصفح
يمرّ كل كاتب، مهما بلغ من الخبرة، بلحظات يسأم فيها من نفسه ومن كلماته.يتوقف فجأة أمام الورقة، لا لأنه لا يملك ما يقول، بل لأنه يتساءل: هل لما أكتبه معنى؟ هل يهم أحدًا؟في هذا العدد، نحاول أن نعيد النظر في هذا الشكّ الإبداعي، لا كعدوٍّ للكتابة، بل كمرحلة نضجٍ فيها يُمحّص الكاتب دوافعه ويستعيد صدقه الأول.

الشكّ ليس ضد الإيمان… بل طريقٌ إليه.

- بول تيليش (فيلسوف ألماني/أمريكي)

الكتابة، مثل الإيمان، تمرّ بمواسم من الخصوبة والجفاف. هناك أيام تفيض فيها الكلمات، وأيام أخرى تتجمد فيها الأفكار وكأنها ترفض الخروج.

في تلك اللحظات، يبدأ الشكّ في التسلل: هل أنا حقًا كاتب؟ هل ما أفعله له قيمة؟ هل أملك شيئًا جديدًا أقدّمه؟

الشكّ مؤلم، لكنه علامة على أنك لم تعد تكتب بسطحية.

الكاتب الذي لا يشكّ أبدًا، هو من لم يقف بعد وجهًا لوجه مع حقيقته.

أما من يسأل ويهتزّ ويتراجع خطوة ليعيد التفكير، فهو الذي ينضج ويصقل صوته.

أتذكر مرة كتبت نصًا بدا لي رائعًا في لحظته، ثم قرأته بعد أيام فوجدته باهتًا، بلا حياة. شعرت بالإحباط، وظننت أنني فقدت الموهبة. لكن ما حدث لاحقًا جعلني أفهم: ذلك الشكّ لم يكن فشلًا، بل بوصلة. كان يدفعني لأكتب بعمقٍ أكبر، ولأبحث عن الصدق بدل الصياغة الجميلة فقط.

الشكّ الإبداعي، حين نحسن التعامل معه، يتحوّل من خصم إلى دليل.

هو صوت خافت يقول لك: توقّف لحظة. أعد النظر. هل ما تكتبه حقيقي؟

إنه لا يريد إحباطك، بل يريد أن يعيدك إلى مركزك الأول: إلى السؤال، إلى الصدق، إلى الشغف الأول الذي بدأت به.

الخطأ هو أن نخلط بين الشكّ والانسحاب.

الأول حركة نحو العمق، والثاني هروب من التعب.

الكاتب الناضج يتعلم أن يفرّق بينهما: أن يتوقف ليعيد النظر، لا ليغادر الطريق.

في النهاية، لا تخف من لحظات الشكّ.

احتوِها، واكتب عنها، وسجّل ارتباكك كما هو.

فالكتابة التي وُلدت من القلق، غالبًا هي التي تبقى حيّة.

 🧠 تمرين هذا الأسبوع:

اكتب صفحة بعنوان “حين شككتُ في نفسي”.

لا تحاول تجميلها أو تقديم دروس منها. فقط صف اللحظة كما كانت: إحباطك، صمتك، خوفك.

ثم بعد يومين، أعد قراءتها واسأل نفسك: ماذا تعلّمت من تلك اللحظة؟

قد تكتشف أن الشكّ لم يطفئك… بل أعاد إشعالك.

Mohamed1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرتك الدورية عن فن الكتابة والتأليف والنشر هل تحلم أن تصبح كاتبًا محترفًا؟ أو تطمح لنشر كتابك الأول باحتراف؟ اشترك في هذه النشرة البريدية لتصلك دوريا خلاصة خبرات عملية، وأفكار ملهمة، وأدوات مجربة تساعدك على تطوير مهاراتك في الكتابة، والتحرير، والنشر الورقي والرقمي. كل رسالة ستمنحك دفعة جديدة على طريق التأليف.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي