الحمام الزاجل - العدد #47

بواسطة دليلة رقاي #العدد 48 عرض في المتصفح
مساك طيب يا طيب

صورة سيدة تكتب على دفتر من موقع اونسبلاش.

صورة سيدة تكتب على دفتر من موقع اونسبلاش.

ياا مرحبا صديقي

في السنة الماضية من هذا الشهر كنت في زيارة لأختي، وحينها احتفلت بكوني خالة. كبرت صغيرتي وأصبحت تخطو خطواتها الأولى...

واليوم شددتُ الرحال منذ صباح اليوم إلى ذات الوجهة، لتقديم التعازي لبيت أهل زوج أختي بسبب وفاة أخيه الصغير.

وأنا في الطريق إلى هناك، حملتُ هاتفي وأرسلت رسالتَي اعتذار لعملائي وإبلاغهم عن تأخر التسليم عن الموعد المتفق عليه.

ربما هذه مزية من مزايا العمل الحر، لكن من ناحية أخرى ستكون عطلة نهاية الأسبوع مليئة بأشغال المنزل وتدارك التأخر في تسليم الأعمال. 

وأنا في طريق العودة تذكرتُ الحمام الزاجل، وجلستُ أفكر، متى سأكتب العدد وماذا سيكون محتواه؟ قد يقول قائل: وهل تفكرين في محتوى العدد في آخر سويعات من النشر؟

نعم، معك حق، لكن هكذا تعودت مع الحمام الزاجل.

سأحاول أن أجد ما أقصّه عليك في السطور القادمة، ولعلّ من المواقف الطيبة أنني التقيت بأناس رحبوا بي وفرحوا بمجيئي وباركوا لي زواجي، وهكذا تعرّفت عائلتي الثانية بعائلة أختي.

وما أسعدني أكثر أنني وجدت أشخاصًا لازالوا يذكرون أنني كاتبة وسألوني عن كتابي وعن مشاريعي القادمة.

أكتب هذه الحروف وأنا أراقب الطريق كعادتي، أحفظ تفاصيل الطرقات ولا أهتم بأسامي المناطق هكذا تعودت، فلم يسبق أن أجبت على سؤال: أين أنتِ من الطريق جوابًا صحيحًا، دائمًا أسأل: أين نحن؟

وأنا أكتب العدد جاءني اتصال وما إن أنهيت المكالمة حتى مررت على تويتر صديقنا إكس، حين أقول إكس أشعر أنني أقرأ رواية من روايات أغاثا كريستي، هكذا يخيّل لي الموقف.

وهناك قرأت تغريدة للمبدع تيم دونينغ يقول فيها:

"جمهورك يتوق إلى المشاعر، لا إلى المعلومات" فكانت التغريدة مواساةً لي، لأنني مؤخرًا لا أمدّ أصدقائي بأي معلومة، بل لا أكفّ عن التذمر بسبب الارتباك الذي حصل معي بسبب تغيّر روتيني وحياتي جميعًا. 

تغريدة تيم دونينغ.

تغريدة تيم دونينغ.

لكنني سعيدة لأنني أحاول، فليس سهلًا أن تستمر في وظيفة لا يمكنك شرحها للآخر، وهو لا يعرف مسمّاك الوظيفي حتى ولا كم تحتاج من الوقت لتنجز أعمالك.

تجد نفسك محتارًا، هل تشرح طبيعة عملك لتجد العون والدعم؟ أم تصمت وتجاهد في صمت وتتركهم يظنون أنك تضيّع الوقت أو ربما تتهرّب من مسؤولياتك.

فلا أحد سيقتنع الآن بأنني أكتب نشرتي وأنا في طريق العودة إلى المنزل، ولست أتابع منشورات فيسبوك أو تيك توك أو أعطي وقتي لشيء آخر ممل أو تافه.

ألا تلاحظ؟أنا لا أعطيك معلومات لكنني أعطيك جزءًا خفيًا من مشاعر الكاتب ويومياته، فلا تعتقد أنّ الكاتب ليس مرتبطا بواجبات عائلية ومجتمعية وارتباطات أخرى، لكنه مع ذلك غير معذور.

تذهب الموظفة إلى وظيفتها وتترك بيتها وقد لا تعود إلا في آخر الليل خاصة مع فصل الشتاء ، لكن مع ذلك هي معذورة لأنها موظفة. وتجد الجميع يشجعونها على الصبر وكم هي قوية ومكافحة.

أما التي تعمل في مهنة حرة عن بعد كالكتابة أو التصميم...، فثِقلها أشدّ لأنها ماكثة في البيت وعملها سهل (هكذا يعتقد من حولها)، وربما الأصعب أنك لا تستطيع تقدير وقت العمل أو ربما هذه مشكلتي لوحدي.

لا أستطيع ضبط ساعات محددة، فعلت ذلك قبل الزواج لكن اليوم أعجز عن فعل ذلك ولا أعرف ولا أرى أنه لزاما عليّ ضبط ساعات محددة للعمل، فهذا ما كرهته في الوظيفة أساسًا.

حسنًا، لازال الطريق طويلا نوعا ما، اشتدّ الظلام، فنحن الآن في طريق صحراوي بالقرب من مدينة بوقطب، ولأنني لا أحفظ الطرقات أستعمل جوجل ماب عند الضرورة.

ولا أريد استعماله لأخبرك بالمكان حتى لا ينقطع حبل أفكاري، تحضرني الآن تغريدة للصديقة الحبيبة نادية غربي التي كتبت أنّ صحة الكاتب النفسية مهمة، وذلك صحيح جدا.

لكن من ناحية أخرى يمكن حتى للصحة النفسية السيئة حتى في حالات الاكتئاب المتقدمة أن تكون زادًا للكاتب يقدمه لجمهوره، ألم أقل قبل قليل أنّ الجمهور يتوق للمشاعر أكثر من المعلومات!

ولنا في الأستاذ طارق الموصللي قدوة حين كان يكتب في حالة مرضه بالليمفوما، وحتى في تأزّم صحته النفسية، ومؤخرًا حين حاول الانتحار، لا أحد يستطيع تقدير عمق مشاعره وشدتها في تلك اللحظة حتى استمر في الكتابة، ربما كانت الكتابة بلسمًا لجراحه أو ربما مهربٌ آخر.

كتب حتى وهو يرغب في مغادرة الحياة، لذلك صديقي ما رأيك أن نفصل بين الكاتب وصحته النفسية؟ لأن الكتابة هي أحد بوابات الصحة النفسية والعافية.

أحاول تفحّص وجه السماء، لكن الغيوم تلف زرقتها أو ربما الظلام يفعل. فأنا لا أرى شيئًا البتة، لكنني أستمع لأخبار حماس في الإذاعة، لقد تكرر الاسم أكثر من مرة وأنا أخط هذه الأسطر.

نسيتُ أن أخبرك أنني التقيت أهلي هناك عند بيت أهل زوج أختي، لقد كانت زيارة خاطفة، لكن قلبي اطمئن لرؤيتهم وأسأل الله السلامة والعافية لك ولأهلك.

قاربت بطارية الهاتف على النفاد، ولا أريد أن ينطفئ دون حفظ وجدولة العدد، فإلى اللقاء يا صديقي. 

إلى اللقاء في عدد قادم.

م. طارق الموصلليNada AbbasReem6 أعجبهم العدد
مشاركة
الحمام الزاجل

الحمام الزاجل

هنا أكتب بشغف وحب وعفوية أكثر، وأشارك معك كل شيء يخص الكتابة والسرد القصصي وتفاصيل أخرى...

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من الحمام الزاجل