نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #42 مكافأة العادات (المؤلمة واللحظية) لها تبعاتها وهو صراع بشري أبدي، فكيف تختار أحدهما دون ندم؟

بواسطة عبدالعزيز ال رفده #العدد 42 عرض في المتصفح
كيف تتبنى عاداتك المؤلمة بشكل ممتع، وتتخلى عن عاداتك اللحظية عبر شعور الألم؟ 

أطل عليكم من جديد في هذا العدد من خواطر مفكرة الشهرية، إن كنت مشتركا جديدا فأنا عبدالعزيز آل رفده وهنا أستعرض لك آخر ما أقوم به من تدوينات، لاشاركك آخر قراءاتي 📚 أفكاري 💭 استماعاتي 📻 مشاهداتي 📺 آرائي الخاصة 💡 أنقلها لكم بأسلوبي وبشكل مبسط، و واضح، ومفهوم، أما إن كنت قارئا سابقا معتادا على سماع ضجيج هذه التدوينات والنشرات فيسعدني الالتقاء بك من جديد عبر هذه العدد.

والآن لننطلق 💨🏃

***

عُدنا مؤقتا والعودُ أحمد، لا زلت غارقا تماما ما بين الحيوات الثلاث وهي (الدراسة، والعمل، والأهل) كنت واعيا تماما بأني سوف أعاني أشد المعاناة بسبب قرار الدراسة وأنا على رأس العمل، وها أنذا في أسبوعي العاشر من الدراسة لا زلت أتنفس وقلبي ينبض على الرغم بأن الحياة قد طرحتني مرات وحاولت مقاومتها في مرات أخرى، وما بين الصراعين اكتشفت ما الذي يعنيه الاحتراق النفسي، وتقصيري في جوانب مختلفة، وبذلي الحثيث في الوصول للكمال (غير المنشود) في كل الجوانب، وأعتقد بأن كلنا كنا ذلك الرجل، أو تلك المرأة، ولسان حالنا قول المتنبي في أبياته: 

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ / فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ.. فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ / كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

المتنبي

في هذه الديباجة التي أقدمها وأعرفك بها عن وضعي لمن لا يعلم من المشتركين الذين ما زال يتحفني بعضهم في كرم وضع بريده الشخصي لتلقي رسالة مني، فإنني (عياذا بالله من قول أنا) أعتبر نفسي كاتبا منتظما منذ العام 2018 م وحتى اليوم أنشر بشكل دوري، لدي زوجة رائعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وطفلة بعمر تسعة أشهر ما زلت أكون معها علاقة حب آسرة كل يوم، صيدلاني أعمل في مدينة الملك سعود الطبية، وأدرس مرحلة الماجستير التنفيذي في التشريعات الدوائية بجامعة الملك سعود.

ولدي أيضا طفلان آخران أرعاهم بين الحين والآخر أحدهم كبر وأتم فطامه وهو منتج خواطر مفكرة الذي تقرأه الآن وأقوم بإصداره شهريا، والآخر منتج التشريعات في أسبوع وهو الذي أعطيه كل جهدي، وتركيزي، ووقتي لكي يقف على قدميه مثل أخيه الأول فيها أنقل تجربتي في دراسة الماجستير التنفيذي في التشريعات الدوائية صباح كل يوم أحد.

المهم، مع هذه الدوامة المتشعبة لا زلت أحاول جاهدا تنظيم الوقت الخاص بي، وذلك لأن أضع وقتا للقراءة الحرة للكتب الورقية أو الإلكترونية مع جهاز (كيندل Kindle) ولست أبالغ كثيرا مجرد 5-10 صفحات في اليوم ترضيني وزيادة.

ولحسن الحظ هذا العام كنت قد مررت بمعرض الكتاب الذي أقيم في العاصمة الرياض مؤخرا، ومن المصادفات الجميلة بأنها في جامعة الملك سعود حيث أدرس في فترتها المسائية، ونعم كنت محظوظا كفاية لأن أجد عشرة كتب مختلفة لتكون زادا أركن إليه من أجل المتعة والدهشة إن أسعفني الوقت خلال يومي الطويل، ففعل القراءة لم يخذلني مطلقا، فهي نعم الصاحب، ونعم المربي، ونعم المؤنس.

غنيمة معرض الكتاب الدولي 2023 م 😍

غنيمة معرض الكتاب الدولي 2023 م 😍

بيئة العائد المؤجل، والعائد اللحظي!  ✈️ 

قبل فترة طويلة ذهبت لمكتبة جرير لشراء كتاب العادات الذرية لجيمس كلير، وهو الذي أقرأ صفحاته الأخيرة هذه الأيام، وقد توقفت كثيرا في بضعة صفحات أدهشتني، ورغبت بمشاركتها بمجرد أن وقعت عيناي عليها، وإن كان معظم الكتاب يستحق المشاركة والنشر، إلا أنني كنت قد اكتشفت سرا عظيما لا تعرفه البشرية قاطبة، (وتعرفه أيضا!!) في تناقض صارخٍ ومضحك.

ففي الصفحة رقم 211 تحدث جيمس كلير في كتاب العادات الذرية تحت عنونا التعارض بين المكافآت الفورية والمؤجلة قائلا: 

تخيل أنك حيوان تجوب سهول أفريقيا، زرافة أو فيل أو أسد، في جميع الأوقات يكون لقراراتك تأثير فوري. فأنت تفكر على الدوام بشأن ما ستأكله، أو المكان الذي ستنام فيه، أو كيفية تجنب أحد المفترسين. وأنت تركز على الدوام على الحاضر، أو على المستقبل القريب للغاية. وأنت بهذا تعيش في ما يسميه العلماء (بيئة العائد الفوري) لأن أفعالك تقدم نتائج واضحة وفورية.
الآن عد إلى ذاتك البشرية. في مجتمعنا الحديث، كثير من الخيارات التي تتخذها اليوم لن تفيدك على الفور. فإذا أحسنت في أداء عملك، ستحصل على راتبك بعد بضعة أسابيع. وإذا تدربت اليوم، لن تصير بدينا في العام القادم. وإذا ادخرت المال الآن ربما سيكون معك ما يكفي من المال للتقاعد بعد عقود من الآن. فأنت تعيش في ما يسميه العلماء (بيئة العائد المؤجل) لأن من الممكن أن تعمل لسنوات قبل أن تقدم أفعالك العائد المنشود.

من كتاب جيمس كيلر العادات الذرية

إلى هذا السطر الكلام منطقي وليس فيه أي أداة من أدوات التشجيع التي تحثك على عمل جدول دقيق لكل عاداتك الكبير منها والصغير، ليكمل بعد ذلك جيمس كلير: 

إن الدماغ البشري لم يتطور كي يتكيف مع الحياة في بيئة العائد المؤجل. يصل عمر أقدم بقايا البشر الحديث، إلى مائتي ألف عام تقريبا. فالعقل البشري يمتلك نفس العتاد المادي الذي امتلكه أسلافهم في العصر الحجري القديم. مؤخرا تحول المجتمع بالأساس إلى بيئة ذات عادل مؤجل. لذا يعد المجتمع الحديث جديدا للغاية. وفي المائة عام الأخيرة أو نحو ذلك، شهدنا ظهور السيارات والطائرات والتلفاز والحاسبات الشخصية والإنترنت والهواتف الذكية.
كان أسلافنا، شأن غيرهم من الحيوانات الأخرى في السافانا الأفريقية، يمضون أيامهم في الاستجابة للتهديدات الخطيرة، وتأمين الوجبة التالية، والاحتماء من العواصف.وكان من المنطقي والمعقول إيلاء قيمة كبيرة إلى الإشباع الفوري. فقد كان المستقبل البعيد أمرا لا يشغلهم. وبعد آلاف الأجيال التي عاشت في بيئة عائد فوري، تطورت عقولنا كي تفضل العوائد السريعة على العوائد الطويلة الأمد.

يا له من نص بديع وصادق، صحيح أنه جلي وواضح للبعض، ولكنه مغيب ولا يلتفت له مع الكثير من البشر الذي أغرقتهم المادية تماما، تخيل أن كل ما تراه ليس إلا مظهرا جديدا على الجنس البشري، وربما بأنك قد شاهدت أو سمعت بأحدهم من الذين لحقهم سنوات الجوع، وقد كان كل ما يفكر به هي لقمة عيشه في يومه الذي يعيش فيه، ولا يكترث كثيرا بوضعه في اليوم التالي، ويمكن سؤال المعمرين عن ذلك، وسيخبرك عن العجب العجاب.

فمع ظهور العهد الصناعي الثوري، والذي ما زال البشر حديثي عهد به، نشأت مصطلحات مثل الاستثمار، والحصول على جسم ممشوق، والاهتمام بالمظهر الخارجي ، والتي ما زلت تعد طلاسم لا يفهمها المخلوق الضعيف، وربما لن يواكب ذلك إلا بعد ألف سنة قادمة كي يتعلم من أخطائه يواكب عصره بأفكار متجددة، نكمل مع جيمس في كتابه:

يشير علماء الاقتصاد السلوكي إلى هذا الميل باسم (عدم الاتساق الزمني) ويعني أن الطريقة التي تقيم بها أدمغتنا المكافآت لا تكون متسقة مع الوقت. فأنت تولي الحاضر قيمة أكبر مما تولي المستقبل في المعتاد يفيدنا هذا الميل فائدة كبيرة. فالمكافئات الأكيدة الآن قمت بها في المعتاد أكبر من المكافأة المحتملة في المستقبل. لكن بعض الأحيان يتسبب انحيازنا إلى الإشباع الفوري في بعض المشكلات. 
لماذا يدخن أحدهم رغم معرفته بأن ذلك يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة؟ لماذا يفرط أحدهم في تناول الطعام رغم معرفته بأن ذلك سيزيد من خطر الإصابة بالسمنة؟ لماذا يمارس أحدهم الجنس غير الآمن رغم معرفته بأن ذلك سيزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا؟ 
بمجرد أن نفهم الكيفية التي يحدد بها الدماغ أولويات المكافآت، تصير الإجابة واضحة: فتبعات العادات السيئة مؤجلة، بينما المكافآت فورية. فربما يقتلك التدخين بعد عشر سنوات، غير أنه يقلل التوتر ويشبع توقك للنيكوتين الآن. والإفراط في تناول الطعام مضر على المدى البعيد، غير أنه ممتع في الوقت الحالي. والجنس، الآمن وغير الآمن، يمنحنا المتعة على الفور، بينما لن تظهر الأمراض والعدوى إلا بعد أيام أو أسابيع أو حتى سنوات. 

لاحظ جيدا كل شئ حولك يقول لك أن تستمع به الآن، لا يوجد فرصة لك للتأمل في ذاتك، أو محيطك، بل ليس هناك ثمة فرصة لأن تراجع أفكارك وتقومها، كل لحظة تقول لك أن تستمتع، طالبة منك أن تلتقط محمولك من أجل دفعة من الدوبامين اللذيذة.

لذا أقولها حقيقة، كلنا مدمنين، في المرة القادمة والتي سوف تذهب فيها لأي مكان، أطلب منك أن ترفع رأسك وتنظر لمن حولك خصوصا لو كان المكان مكتظا بالناس، سوف تجد رؤوسا حانية وهي تمشي في الطريق وكأنها بلا روح، لأنهم مدمنين شاءوا أم أبوا.

ولا أقول ذلك ناقما، غير أننا وبسبب طلب المتعة الدائم وغير المتوقف لن ننظر لأنفسنا، لأن ننجز ولو مقدارا يسيرا نحتفي به كل يوم، أن يكون كل يوم يمر علينا نعمة نعطيها حق قدرها فإن كنت صحيحا هذه نعمة، وإن كان عقلك يقظا ومنتبها للتعلم، والقراءة، والتفكير فهذه أيضا نعمة، أن تعطي لتحدث أثرا واضحا كل يوم وهبه الله لك، لنفسك، ولعائلتك، ومجتمعك، ودينك، ووطنك هي من أكبر النعم، لنكمل مع جيمس.

إن كل عادة تثمر نتائج متعددة مع مرور الوقت. وبكل أسف فإن هذه النتائج تكون غير متسقة عادة. ففي حالة العادات السيئة، تكون النتائج الفورية جيدة عادة، بينما النتائج النهائية سيئة. وفي حالة العادات الحسنة، العكس هو الصحيح، فتكون النتيجة الفورية غير ممتعة بينما النتيجة النهائية جيدة. 

دائما يعرف القارئ بإستمرار شعور الدهشة حينما يصل لجملة قصيرة تلخص عدة صفحات سابقة، فتخترق كلمات الكاتب شغاف قلبك، ويبدأ مفعول الدهشة بقولك (يا الله/ Wow Feeling) فيقول جميس كيلر مقتبسا من الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا الآتي: 

وقد شرح الإقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا هذه المشكلة بوضوح حين كتب ( بشكل دائم تقريبا، عندما تكون النتيجة فورية، تكون التبعات اللاحقة كارثية، والعكس بالعكس، عادة كلما كانت الثمرة الأولى لإحدى العادات حلوة المذاق، تكون الثمار اللاحقة مرة).
بعبارة أخرى إنك تدفع تكلفة العادات الحسنة في الحاضر، بينما تدفع قيمة عاداتك السيئة في المستقبل. 

لذا تذكر دائما حينما تقوم بعادة مثالية، ورائعة، وتتطلب منك جهدا مضنيا في تبينها، ومعرفتها، وجعلها ركنا أساسيا من يومك، فليس ذلك إلا استثمارا سيؤتي أكله ولو بعد حين، وأنصحك حقيقة بكتاب جيمس كيلر الذي سوف يساعدك في جعل العادات المؤجلة أكثر متعة في الحاضر، بينما العادات الفورية أكثر ألما لكي تتجنبها مطلقا. 

هل سبق وأن قرأت كتاب جميس كلير (العادات الذرية) أخبرني ما الذي أعجبك في كتابه؟ وهل توصي بكتب أخرى شبيهة له؟ 

***

شكرا 🙏🏼

الحقيقة لا يسعني شكرك لقاء وصولك هذا السطر من النشرة، وقتك الذي قضيته هنا يعني لي الكثير لأنه لا يقدر بثمن.

إن تظن بأن نشرة خواطر مفكرة البريدية تستحق النشر فليس عليك سوى تمريرها لمن تظن أنها ستهمه وتضفي لحياته معنى ذو قيمة،  والتي أعدك في تطورها الدائم والمستمر، بإمكانك مشاركة هذا العدد لأحد أصدقائك أو ما سبقه من أعداد الآن عبر ملف النشرة.

***

كواليس النشرة 📸

العدة والعتاد لأن تُغامر في شرفٍ مروم 

العدة والعتاد لأن تُغامر في شرفٍ مروم 

***

إليك أيضا 🪴

نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #41 ما هي أفضل التجارب العلمية المطبقة التي ستساعدك في تذكر المعلومة أكثر بنسبة 40%؟ 🧐🧠 | هدهد

تجربتي في التعلم من المهد إلى اللحد
gohodhod.com

نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #40 تأكد من أخذك هذه الحقوق الخمس قبل مغادرتك عيادة الطبيب في المرة القادمة! 🫵🏼👨‍⚕️🩺 | هدهد

لماذا يعود بعض المرضى منتكسين نحو حال أسوأ من بعد زيارتهم للمشفى في مرّتهم الأولى؟
gohodhod.com
Nada Abbasدار بسمة للنشر الإلكتروني2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خواطر مفكرة البريدية

نشرة خواطر مفكرة البريدية

هنا أستعرض لك آخر ما أقوم به من تدوينات، لاشاركك آخر قراءاتي 📚 أفكاري 💭 استماعاتي 📻 مشاهداتي 📺 آرائي الخاصة 💡 أنقلها لكم بأسلوبي وبشكل مبسط، واضح، ومفهوم، اشترك الآن لتصلك هذه النشرات فور إصدارها 🙏🏼

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خواطر مفكرة البريدية