هل البيع فعل إنساني؟ |
24 يونيو 2025 • بواسطة زهــراء • #العدد 5 • عرض في المتصفح |
|
في كل مرة يُطرح فيها موضوع المبيعات، نجد أن أغلب النقاشات تدور حول التكتيكات: |
كيف نُسرّع عملية الشراء؟ ما الكلمات التي تجعل العرض لا يُقاوم؟ متى نضغط؟ كيف نحفّز؟... |
لكن نادرًا ما نهتم بالأسئلة الأكثر أهمية، مثل: |
هل هذه الطريقة فعلاً ناجحة في إقناع العميل المقصود وليس أي عميل؟ وهل هي مستدامة؟ وهل تُعبّر عن صورة العلامة الشخصية التي أريد بناءها، وتحافظ على قِيَمي ورؤيتي؟ |
أحيانًا أعتقد أننا لا نُقنع العملاء بالشراء بقدر ما نضغط عليهم ليتخذوا قرارًا سريعًا |
عبارة صادقة إلى حدٍ مزعج. |
فكم من صفقة أُنجزت تحت تأثير العجلة، أو خوف العميل من ضياع العرض، أو بسبب عبارة مثل: |
"الأماكن محدودة، والفرصة لن تتكرر". |
لكن، هل هذا هو مقياس النجاح؟ |
هل الهدف أن نُتم البيع بأي وسيلة؟ |
أم أن نُنجزه بثقة ووعي ورضا من الطرف الآخر؟ |
أنا لا أُعارض استراتيجيات التسويق، بل أُعارض أن تُبنى على الخوف، أو الضغط، أو الإيحاء بأن " القرار يجب أن يُتخذ الآن، وإلا فأنت تُفوّت الفرصة". |
هذا النوع من الضغط، حتى وإن أدى إلى عملية بيع سريعة، إلا أنه يفشل في بناء عقلية ولاء، ويُنتج زبونًا لا يعرف لماذا اشترى، بل قد يشعر لاحقًا بأنه خُدع. |
وأنا لا أطمح إلى بيعٍ يجلب الشك بعد الشراء، ولا أريد عميلًا يُراجع قراره في الليل بعد أن أغلق الصفقة معي. |
ما أريده هو عميلٌ متأكد من أنه اتخذ قرارًا ناضجًا، نابعًا من معلومات واضحة، من تجربة متسقة، من وعود لم يُدفع إليها دفعًا، بل وجد فيها منطقًا يُقنعه، وأسلوبًا يُشعره بالأمان، وسياقًا يراعي ظرفه، وتوقيتًا يحترم مساحته. |
وهذه ليست "مثالية". |
بل واقعية، في سوقٍ أصبحت فيه الثقة هي العُملة النادرة. |
ثقة تُبنى دون اللعب على الزوايا النفسية التي تُنتج قرارًا هشًّا سريع الزوال. |
ومنطقي البسيط يقول: |
إذا كان ما أقدمه ذا قيمة فعلًا، فالعميل المناسب سيستوعب ذلك متى ما توفرت له: |
المعلومات الكافية، والشعور بالأمان، والوقت الكافي لاتخاذ القرار. |
ودائمًا ما أضع في ذهني أن أي استعجال في بيع عرض معين لعميل غير جاهز تمامًا، هو تدمير للفائدة والولاء الذي سيترتب على الشراء المبني على قناعة ورغبة راسخة، وليس مؤقتة. |
فأنا لا أبيع للجميع، ولا أطمح لذلك. |
ما أفعله هو أن أقدّم عرضًا واضحًا، مبنيًا على فهم حقيقي لحاجة العميل، مدعومًا بتجربة، وأجوبة صريحة على الأسئلة المتوقعة. |
وإذا شعرت أن الشخص الذي أمامي غير جاهز، أو أن العرض غير مناسب له، فأنا أملك ما يكفي من الاحترام له – ولنَفسي – كي لا أواصل الإلحاح أو الضغط أو المناورة. |
لأنني أرى أن البيع لا يصحّ إلا إذا كان نافعًا للطرفين. |
والإقناع من وجهة نظري، ليس مهارة خطابية، بل مهارة استماع. |
أن تسمع تردد العميل وتتفهمه، وتوضح له ما يحتاج لمعرفته، أن تترك له مساحةً للتفكير دون أن تلاحقه بالعروض، أو المقارنات، أو التحفيز المصطنع. |
وأؤمن أن كل عرض لا يستطيع أن يقف بثقة في وجه أسئلة العميل الصعبة، هو عرض غير ناضج بعد. |
وأن أي عملية بيع تحتاج إلى "إقناع زائد عن الحد" أو "أساليب نفسية مراوغة"، فهي في جوهرها غير منصفة، حتى وإن نجحت. |
فالمبيعات اللحظية، المعتمدة على الضغط والتخويف من الندرة، قد تنجح لحظيًا... لكنها تخلق علاقة مهزوزة. |
عميل مضغوط هو عميل متردد، غير راضٍ تمامًا، وليس مستفيدًا |
فالبيع الواعي ليس اختبار سرعة، ولا حرب أعصاب. |
بل هو مساحة تُبنى فيها الثقة، وتُعرض فيها القيمة بصدق، وتُحترم فيها المساحة الذهنية للعميل. |
وتَحمّل مسؤولية وضع مصلحة العميل أمام عينيك، وتنفيذ الوعد الذي ضمنت بتحقيقه. |
المبيعات المستدامة، تلك التي تُبنى على تواصل حقيقي واحترام لعقلية وذكاء وثقافة العميل. |
أما "خطف" العميل بلحظة عاطفية أو وهم الندرة، فقد يُسجّل رقمًا في لوحة الإنجازات، لكنه يخصم من رصيد الثقة. |
ولذلك، أنا لا أقيّم نجاحي بعدد الصفقات السريعة، بل بعدد العلاقات المبنية على الولاء التي نجحت في تكوينها مع العملاء. |
لأن ما أبنيه هو علامة شخصية، لها أسلوبها في البيع، وثباتها في التعامل، ومصداقيتها التي تُقاس بتكرار الشراء وتنعكس في ثقة الزبون على المدى الطويل. |
وسؤالي لك، وأختم به هذا العدد: |
> هل سبق أن اشتريت شيئًا ثم ندمت عليه لاحقًا؟ |
وما الذي تمنيّت أن تعرفه قبل الشراء؟ |
*** |
وحين تنضج الفكرة القادمة.. سأعود بعددٍ جديد. |
زهراء عشيري | من الفكرة إلى الأثر |
التعليقات