عبادة انتظار الفرج

29 نوفمبر 2024 بواسطة عبد الرحمن ياسين علوش #العدد 3 عرض في المتصفح
عبادة انتظار الفرج

بين دروب الآلام وتحت لهيب المصائب، يجد المؤمن نفسه أمام محكٍ عظيم.. تنهال عليه الأوجاع كالسياط، فتشدّ قلبه بأغلال الهموم، وتغطّي عينيه بظلمات الشكوك.. يواجه في كل لحظة من هذه اللحظات اختبارًا قاسيًا، ويغرق في شعورٍ قاتم، حيث يتبدّى له الأفق مسدودًا، وكأن لا مفر من أن تتوالى صروف الألم، فتستبد به حتى يظنّ أن لا فكاك من قبضتها.

 في تلك اللحظات، تتباين المواقف وتتجزأ الأرواح، فينقلب المؤمنون إلى فريقين:
 فريقٌ يتنكب الطريق ويغرق في دوامة التشكيك والتخوين، يفتش عن أي سبب ليغلق الأفق على نفسه، فيبث شكواه من القسوة ويغرق في مراثي الظلم، ويشعل نار الحقد والريبة في قلبه.  يتسلح بلغة الهزيمة، ويختبئ وراء سحابة من اليأس، مُعتقدًا أن النصر لن يأتي أبدًا، وأن الأمل قد ضاع إلى الأبد.

أما الفريق الآخر، فهو الذي يحدق في الأفق بصمتٍ، لكنه لا يغرق في ضباب الشكوك.  هو الفريق الذي يوقن بأن الله لا يترك عباده في ضيقهم، ويعلم أن مع كل عسير يسيرًا، فيسعى في الأرض بكل عزيمة، مؤمنًا أن الفرج قريب لا محالة.  يدرك أن الله يختبر عباده في أصعب اللحظات ليزيدهم إيمانًا ويصقل صبرهم..  هم أولئك الذين يحملون في قلوبهم رجاءً لا يتزعزع، ويمضون في الحياة بثبات المؤمن الذي يعلم أن العواصف مهما اشتدت لن تحجب نور اليقين في قلبه.

هذا ما أعنيه بعبادة انتظار الفرج، العبادة التي تُظهر أسمى صور التوكل على الله، حيث يتوجه المؤمن بكل ما أوتي من صبر وعزم نحو ما يواجهه من محن، متيقنًا بأنَّ انتظاره هذا ليس مجرد مرور في الزمن، بل هو عبادة مليئة باليقين، ممتزجة بالأمل والعمل الصالح، متواصلة بالدعاء، عبادة تقتضي منه أن يكون قلبه دائمًا مرفوعًا نحو السماء، وعينيه لا تنظر إلا إلى ما عند الله، مطمئنًا أن ما من شيء في الكون إلا بيد الله.
هو يعلم أن الفرج قادم لا محالة، وأن الله يقدره في الوقت الذي يراه مناسبًا لعباده. 

على كل مؤمن أن يتعلم عبادة انتظار الفرج، وأن يستعد لاستقبال عطاءات الله، موقنًا أن الفرج آتٍ مهما طال الانتظار، وأن كل لحظة صبر تقترب به من النصر.

عبد الرحمن علوش 

مشاركة
نشرة عبد الرحمن علوش البريدية

نشرة عبد الرحمن علوش البريدية

عبد الرحمن ياسين علوش، كاتب سوري من مدينة إدلب، له إسهامات متميزة في الفكر والوعي، من أبرز أعماله مقال: "العقول المستعمَرة" ومقال: "برمجة العقول الناشئة" وقد قدم بصمة ثورية في "بقايا وطن"، ليصبح الحرف لديه شاهدًا على أوجاع الأمة وآمالها. لعبد الرحمن العديد من الكتابات الدعوية التي تُنشر بشكل دائم على منصة إشراقات التابعة لوزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد في مدينة إدلب. "القلم أمانة، والكلمة وعد"—بهذا الإيمان يسير عبد الرحمن، مستعينًا بالله ومتخذًا من الكتابة رسالة حياة.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة عبد الرحمن علوش البريدية