شـامـل | سوريا الجديدة: عُقاب ذهبي ذو مخالب حديدية | العدد #23

8 يوليو 2025 بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي #العدد 23 عرض في المتصفح
لا يخفى على المتابع للشأن السوري منذ لحظة التحرير في نهاية العام المنصرم وحتى اليوم، أن البلاد دخلت مرحلة جديدة من الصراع، ليست عسكريةً هذه المرة، بل نفسية وإعلامية. فمنذ أن بدأت الدولة السورية تعيد تشكيل هويتها، تكالبت عليها حملات التثبيط والتشويش، تقودها أطراف كانت مستفيدة من فوضى الأمس، ومعتاشةً على هشاشة الدولة السابقة. هذه الحملات، التي تتخذ من الحرص المزيّف على الوطن ستارًا، ليست عفوية بأي حال. فالتربص بأي إنجاز، والاستخفاف بأي خطوة، باتا سلوكًا يوميًا لدى من لا يطيق أن يرى سوريا تنهض من تحت الركام. من حادثة حرق شجرة الكريسماس، إلى أحداث الساحل في مارس، وصولًا إلى حفلة إطلاق الهوية البصرية الجديدة؛ يتكرّر المشهد ذاته: ادعاء غيرة وطنية، يخفي تحريضًا واضحًا يرمي إلى كسر نفس السوري لا كسر النظام الجديد.

الحرب النفسية عبر الفوضى الرقمية

ليست هذه المعركة وليدة لحظة. إنها جزء من حرب ممنهجة تُدار على وسائل التواصل، ظاهرها السخرية، وباطنها التشكيك والتقويض. الغريب أن بعض الرموز الإعلامية التي كان يُفترض بها التعامل مع الدولة الجديدة كدولة مؤسَّسة لا كتيار سياسي، وقعت في فخ التحامل، وأفرغت نقدها من بعده البنّاء، حتى بات أقرب إلى سلاح يُستخدم في لحظات الهشاشة الوطنية. لكن الخطر الأكبر لا يأتي من الداخل الناقد، بل من الخارج المتربص. من دول، ومنصات، وجهات، كانت ترى في ضعف سوريا مكسبًا طويل الأجل. هذه الجهات أعادت تنشيط أدواتها فور التحرير: حملات تشكيك في كل قرار، استغلال أحداث فردية لبث الفوضى، تضخيم الحوادث الطائفية، ودفع السوري إلى حافة الإرهاق النفسي.

إدارة الشرع... صلابة الولادة وبداية الصدام

منذ أن تسلّم الرئيس أحمد الشرع مقاليد الدولة فعليًا في الثامن من ديسمبر، ظهر واضحًا أن البلاد مقبلة على نمط جديد من الإدارة. أكثر صلابة، أكثر تماسكًا، وأقل تهاونًا مع رماد المرحلة الماضية. ستة أشهر من الترميم المباشر، ومحاولات مستمرة لاستيعاب الصدمات المتراكمة. ومع كل خطوة، كانت الحملات تتجدد. حتى بعض التنظيمات ذات الخلفيات المعروفة، بدأت تحاول اختراق المكوّن السني، لا حبًا فيه، بل محاولة لسحب البساط من تحت الإدارة الجديدة التي تسير نحو مركزية وطنية جامعة. كل شيء يُستخدم: الدين، الطائفة، التاريخ، وحتى الوجدان.

المكوّن المسيحي... تفويت الفرصة على الطائفيين

من اللحظة الأولى لانتصار الثورة، أظهر المكوّن المسيحي وعيًا سياسيًا عاليًا. التفافه حول الدولة الجديدة لم يكن تكتيكًا، بل موقفًا وطنيًا. وقد جاءت حادثة تفجير الكنيسة لتُظهر المعدن الحقيقي لهذا الالتفاف. الدولة تحركت بسرعة، حمَلت مسؤوليتها، قدّمت العون، وطاردت الجناة. لكن في المقابل، ظهرت الصفحات ذاتها، الأسماء ذاتها، الدعوات ذاتها: تحريض على الدولة، تحميلها مسؤولية الجريمة، بل والتشكيك في نواياها. كل هذا حدث في الساعات الأولى، ما ينفي أي عفوية، ويؤكد أننا أمام ماكينة دعاية لا تهدأ.

الهوية البصرية... عُقابٌ في السماء وذاكرة في الأرض

 

ومع إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا، اشتعلت جبهة جديدة في هذه الحرب النفسية. لم تعد المسألة مجرد نقد تصميم، بل باتت معركة رمزية على شكل الدولة، ومظهرها، وطموحها. الاتهامات جاءت متوقعة: سرقة من شركة ألمانية، تشابه مع رموز أجنبية، تغليف شكلي بلا مضمون. لكن من ينظر إلى العقاب الذهبي في قلب الهوية الجديدة، يرى ما هو أبعد من التصميم. إنه الرمز ذاته الذي ظل السوريون يبحثون عنه طويلًا: كائن لا يحني رأسه، يطير عاليًا، لا يهاجم إلا إذا اقترب الخطر. ريشه ذهبي، ومخالبة حديدية. وهذا هو المعنى الكامل لسوريا الجديدة. العقاب هنا ليس شعارًا. إنه انعكاس لوطن لا يريد الانتقام، بل يريد الوقوف. لا يبحث عن بطش، بل عن توازن. لكن من يقترب من سمائه بسوء، سيلقى ما يستحقه.

بين النقد المسؤول والتحريض الممنهج

النقد حق، بل واجب. لكن التحريض خيانة. والفارق بينهما يكمن في النية، والتوقيت، والأسلوب. في لحظات البناء، يصبح التهكم سلاحًا بيد أعداء الوطن، وإن خرج من فم ابن الوطن ذاته. ولأن الدولة السورية لا تريد العودة إلى زمن الردع الأعمى، فإن الحل لا يكون بالقمع، بل بالفرز. فرزٌ بين من ينتقد لبناء، ومن يهدم بلا بديل. تشكيل لجنة مختصة بمتابعة المحرّضين على الدولة ورموزها ليس قمعًا، بل دفاع مشروع عن استقرار لم يتكوّن إلا بدماء السوريين.

ختامًا... هذا زمن العُقاب

لم تكن المعركة يومًا سهلة. النظام المخلوع، لعقود، استخدم كل أدوات الحرب النفسية ضد شعبه. اعتقال، إذلال، تشريد، قمع، وحصار. لكن الشعب صمد. واليوم، لا يريد أن يُكافأ هذا الصمود بالسخرية من رموزه. لقد قرر السوري أن ينهض. أن يصنع ذاكرته من جديد. أن يحتفل، لا لأن الحرب انتهت، بل لأن روحه انتصرت. وفي قلب هذه الروح، يحلّق العقاب الذهبي – لا كشعار، بل كإعلان: أن زمن الخنوع انتهى، وأن لسوريا اليوم ريشًا من ذهب، ومخالب من حديد.

مشاركة
شـامـل

شـامـل

«شـامـل» | نشرة بريدية أسبوعية 📩 تُكتب من صُلب أفكار أحمد الحجيلي، ولأن كل فكرة تستحق أن تُروى كاملة، فـ «شـامـل» نشرة شاملة. «شـامـل» ليست مجرد نشرة، بل رحلة فكرية تأخذ قرّاءها إلى زوايا الأدب، والفكر، والثقافة، والتأملات النقدية، وحتى التساؤلات العابرة التي قد تقود إلى رؤى جديدة. لا تتبع خطًا واحدًا، ولا تلتزم بقالب جامد، بل تنمو مع كل عدد، تمامًا كما تنمو الأفكار في العقول، والأزهار في الحقول. في «شـامـل» لا أعدك بموضوعات تُقرأ وحسب، بل بمحتوى يحفّز عقلك، ويثير فضولك، ويفتح أمامك نوافذ جديدة على العالم. 📌 سوف تجد في «شـامـل» ☘ مقالات متنوعة تتناول كل ما يستحق القراءة والتأمل. ☘ تحليلات نقدية تُعيد النظر في الأفكار السائدة. ☘ مساحة مفتوحة لاكتشاف الجديد والمختلف. ☘ محتوى بلا قيود، كالفكرة التي تلهمنا دائمًا. في «شـامـل» الفكرة ليست النهاية، بل البداية لحوار جديد. — اشترك الآن، ودع الأفكار تأخذك في رحلة بين شِعاب عقل الكاتب، إلى أماكن لم تخطر ببالك!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من شـامـل