شـامـل | فلسفة المشكلة والتحدي: رحلة تأملية بين عقلانية غسان وعاطفية عمران | العدد #18 |
3 يونيو 2025 • بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 18 • عرض في المتصفح |
كثيرةٌ هي المشاكل في حياتنا، تلك التي تُنهكنا وتُفقدنا القدرة على التبصر بالمستقبل والتفاؤل به. إن المشاكل والعُقد، صغيرةً كانت أو كبيرةً، هي أساسٌ من أساسات الحياة على هذه البسيطة. تغيّرت اللغات أو تبدّلت الأماكن، ستجد ذات الحكاية ونفس خيوط الحبكة؛ فالحكاية هي صراع، والصراع مشكلة. ولا سبيل للعيش بصحة نفسية إلا ببناء حالةٍ نفسيةٍ قادرةٍ على تحويل هذه المشاكل والصراعات التي تعصف بنا يمينًا ويسارًا إلى تحدياتٍ تُغيّر من حالتنا النفسية من معضلةٍ مزعجةٍ إلى معادلةٍ ذات قواعد نسعى لحلها.نلاحظ أنّه بمجرّد تحويل المصطلح السلبي إلى مصطلحٍ ذي دلالةٍ إيجابية، تتغير - ولو بشكل ضئيل - الحالة النفسية. وصحيحٌ أنّ بعض الصعاب قد تكون قاهرةً نفسيًا، لكن ما أطرحه هنا هو تلك الصعاب المتكررة بشكلٍ يومي أو ربما شهري.
|
|
تغيير المصطلح.. يغيّر النمط |
قد نخدع أنفسنا إذا اعتقدنا أنّ تغيير المصطلح ذي الدلالة السلبية كافٍ لوحده لإحداث التغيير؛ فهذا القول بلا شكّ قاصرٌ وفاقدٌ للمنطق. إنّ المعادلة الربانية في هذه الحياة هي: "اعمل وستجد"، قد يتأخر أو يُؤجّل أو يطيل، لكنّه لا يضيع أبدًا. ونفس المنطق ينطبق على طرحنا اليوم؛ فالتغيير يحتاج معه إلى عمل. |
لكن كيف يمكن لنا أن نغيّر دلالة مصطلحٍ من سلبيةٍ إلى إيجابيةٍ ونعمل من أجل استدامة هذا الشعور؟ في الواقع، قبل أي خطوةٍ يخطوها الإنسان نحو أي شيء، يجب أن يؤمن بقدرته على التغيير. هذا الإيمان، مهما كانت الصعوبات والتحديات التي تعترضه، يترسّخ مع التكرار الذاتي والتأكيد المستمرّ من خلال بناء خطةٍ متكاملة لتحويل هذه المشكلة المعقدة إلى حالةِ تحدٍّ تستوجب الحل. |
التفكير العقلاني مقابل العاطفي |
وهذا الحل يتطلّب فهم أطراف الفكرة من منظورٍ مختلفٍ عن عين المتضرّر، أي إبعاد التفكير العاطفي ومحاولة جعل العقل والمنطق - من منطلق اعتبارها تحديًا - يفكّر بحلولٍ بعيدةٍ عن أي تأثيرات قد تُشعل حالةً من اليأس والإحباط النفسي. وتغيير المصطلح هنا ليس مجرد تغييرٍ لفظيّ، بل نفسيّ؛ مهارةٌ تُكتسب تجعل من كل ظرفٍ أو مشكلةٍ سريعًا شبيهًا بالمعادلات الرياضية. |
هذه العملية، والانغماس بها، هي التي تجعل الإيمان بالفكرة ينمو بشكلٍ عفويّ وغير مخططٍ له. وهي ليست فكرةً غريبة، بل موجودةٌ في موروثنا الإسلامي؛ فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالذنوب والموبقات. هذه العملية تدلّ على أنّ الإيمان بفكرةٍ ما يكون بممارستها، وكلما طال أمد الممارسة زاد الإيمان - هي معادلة ربانية -. ومع الوقت والانخراط، سنجد أنّنا نحول أي تحدٍّ أو إشكاليةٍ بكل دلالاتهما النفسية السلبية إلى معادلةٍ تحتاج إلى فهمٍ واستيعاب، والنظر إليها بعينٍ محايدةٍ تبتعد عن العواطف قدر الإمكان، وتتعامل بنظرةٍ أكثر إيجابيةً واتزانًا. |
مثالان للتوضيح: عقلانية غسان وعاطفية عمران |
ولفهم ذلك، دعونا نناقش هذين المثالين لتوضيح الصورة: |
🔹 عقلانية غسان |
غسان خرج إلى فناءٍ في الساعة الخامسة صباحًا، يتأمل فجر الصباح ويحتسي بعض الرشفات من القهوة التي أعدّها بكل حب. فجأةً، يجد أفعى تلتفّ حول مقعده وتلدغه، فيسقط من شدة الألم ولا يستطيع القيام. لكنه، وبسرعة، قدّ قميصه وحاول إخراج السم وربط ساقه، ثم هجم على الأفعى بالكرسي الذي كان يستريح عليه وقتلها. بعد ذلك، اتصل بالإسعاف لينقله إلى المستشفى. |
نلاحظ هنا كيف حاول غسان - في ذروة الخطر - ضبط مشاعره وعدم الاستسلام حتى الرمق الأخير؛ إذ رتّب أولوياته بسرعة: بدءًا من إخراج السم وتضميد الجرح، ثم الانقضاض على الأفعى والتخلص منها. هذه التصرفات، بحد ذاتها، هي المحرك الأساسي لتحويل أي مشكلةٍ إلى تحدٍّ إيجابيّ ينتهي بعلاجه في المستشفى. |
🔹 عاطفية عمران |
لكن، في المقابل، نجد عمران يسافر في ظلمات الليل الداكنة، فتتعثر مركبته على زاوية الطريق وتكاد تسقط. وبدل أن ينزل منها ببطء، آثر البقاء فيها، رغم أنّه كان قادرًا على النجاة. أوهمه الخوف بأن بقائه في المركبة هو الأمان، فبقي فيها مذعورًا ساعاتٍ طويلة، حتى جاءت عاصفةٌ أدرك عندها ضرورة النزول، لكن الوقت كان قد فات. |
هذان المثالان يوضحان حقيقةً مهمة: إن المشاعر غالبًا ليست مهمتها حلّ المعضلات؛ بل على العكس، قد تؤدي إلى التهلكة والاستمرار في الحلقة السلبية المغلقة، التي تطيل المشكلة ولا تحلّها ولا حتى تغيّر قواعدها. |
الخاتمة |
إن مشاكلنا كانت، ولا تزال، المسمار الثابت في نعش هذه الحياة، لا يزول ولا يجول ما دمنا نتعامل معها بذات الطريقة العاطفية. إن المشاعر جليلةٌ في النفس؛ فهي تطهّرها من الكبت وتنفّس عن الغضب أو العجز الداخلي. لكن لا يمكن أن نخطو خطوةً إلى الأمام ونحن بذات المشاعر الخائفة أو المترددة أو العاجزة، تلك التي تؤمن بأن الإيجابية غير ممكنة، أو بأن هذه المشكلة عصيةٌ على الحل. |
كم من إشكالياتٍ حُلّت، وكم من معجزاتٍ تحقّقت! الفرق كان الانتقال من فكرة العجز إلى الصبر والتخطيط والمثابرة. فالثمر لا يُطال بالمنايا، بل بإعداد العدة والتوكل على الله والتسلق. والإيمان لا يتحقق بالكثرة والثرثرة، بل بالعمل والجد والاجتهاد. |
ولكلٍّ من غسان وعمران فكرةٌ تختلف عن الأخرى، لكن تبقى ذات الحكايات. |
التعليقات