شـامـل | عقد هدنة مع الكابوس: تأملات في مواجهة المخاوف الداخلية | العدد #14 |
6 مايو 2025 • بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 14 • عرض في المتصفح |
تُعدّ الكوابيس النقيض السلبي للأحلام، إذ تتمثل كرمزية في مخيلتنا، تُعيقنا عن التقدم والاستمرار في الحياة، ومواجهة التحديات، سواء على الصعيد العملي أو الدراسي. لطالما كانت مصدر قلق دائم، يملأ صدورنا بالهم، وعقولنا بالتفكير المستمر في سبل تفادي هذا الكابوس المنتظر، ومنعه من التغلب علينا وكبح جماح أهدافنا.لكن، في المقابل، هل يجدر بنا أن نكون مدينين لكوابيسنا؟ أليست هذه الكوابيس تمثل جزءًا من الثنائيات التكوينية التي أوجدها الله – عز وجل – لتيسير أمور حياتنا؟ ذلك الجانب المظلم من الليل، وذلك الشرير في الرواية، وذلك التساؤل الأهم: لماذا ينبغي لنا أن نخشى الكوابيس بدلًا من عقد صفقة معها؟ صفقة من طرف واحد، يحدد شروطها ويتلاعب ببنودها كما شاءت الأقدار.
|
|
الثنائية التكوينية بين الحلم والكابوس |
هذه الثنائية التي أوجدها الله – عز وجل – في الطبيعة الكونية، ساعدت البشر، عبر العصور، على التأقلم مع التغيرات، بين نشوة الشروق وخفوت الغروب. تسعى هذه المعادلة الربانية إلى خلق توازن كوني يمزج بين متناقضين، أحدهما محبوب، والآخر مرهوب. |
فالكثير يحلم ويستمتع بالأحلام، سواء في نوم أو يقظة، إلا أن الكثيرين يغفلون عن حقيقة كونية: قرين الأحلام كوابيسها، كما أن قرين الرجل الصالح ذاك الصعلوك الطالح. كل منهما مقترن في الندية، متناقض في المضمون. الأحلام، بطبيعتها، لا يمكن أن تكون صحية ما لم تقترن بكوابيسها، فخلف كل حلم كابوس يلاحقه ويُعكّر صفوه، ولا يتوقف حتى يتوقف الحلم. |
فالتاجر كابوسه الإفلاس، والناجح كابوسه الفشل، والطبيب كابوسه أن يُخطئ. قد يعجز الطبيب أمام حالة مستعصية، وهذا لا يُعدّ كابوسًا، بل صنيعًا لا إراديًّا. الكابوس غالبًا ما يكون نقيض وضعنا، ومن صنع أيدينا؛ لذا لا يُعدّ العجز كابوسًا، وإنما السيناريو الذي يصبح فيه الخطأ القاتل هو الكابوس الحقيقي. |
مراقبة الكوابيس والتمهيد للهدنة |
لفهم أي شيء، علينا أولًا مراقبته بحذر. فنصف الخطط تنجح بفضل المراقبة الأولية قبل وضعها ورسم ملامحها. وكذلك الأمر مع الكوابيس؛ فهي، أو المخاوف المستمرة، تنمو غالبًا في البيئات غير القادرة على تقبل فكرة الكابوس من الأساس. |
وهذا يؤدي غالبًا إلى مسارين: إما السعي المستمر لتجنّب هذا السيناريو النهائي، أو الاستسلام له. ما ندعو إليه حقًّا هو الخيار الوسيط: العمل الدؤوب لتجنّب الكابوس ونتائجه، مع هدنةٍ لا تعني الاستسلام. |
تبدأ الهدنة من نقطة المراقبة الأولى، المتمثلة في قياس التأثير المحتمل في حال تحققت هذه الكوابيس على أرض الواقع. وبناءً على ذلك، نضع خطة تمزج بين مقاومة الكابوس بكل ما أوتينا من قوة، وبين عدم التهاون في احتمالية حدوثه، بل وتقبّلها. |
هذا المزاج هو نواة الهدنة التي نتحدث عنها: هدنة مؤقتة بين الانتصار على الكابوس وتحقيق الأحلام، وبين الحذر من تحقق المخاوف والتسليم لها. |
معالم هذه الهدنة وأبرز بنودها |
بناءً على هذه المعادلة، يمكننا صياغة أبرز بنود الهدنة مع اللاوعي الكامن في ذواتنا على النحو الآتي: |
البند الأول: عدم الاطمئنان للكابوس، وتقبّل إمكانية غدره في أي لحظة. قد يبدو هذا مستغربًا؛ إذ تُبنى الهدنات عادة على اتفاق متبادل، لكن الواقع يقول: لا ضمانات حقيقية. وفي حال الكوابيس، يمكننا امتصاص هالتها فقط إذا فهمنا تأثيرها علينا. والعمل الدؤوب هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا "اللااطمئنان" المنتج. |
البند الثاني: تقليل أثر الكابوس حال انتصاره، عبر اختلاق سيناريوهات لحياتنا بعد هزيمة الحلم. الهدف من ذلك هو "حقن" مشاعر الخوف بشيء من اللامبالاة أو التقبّل. هذه الحقنة تقلل من هول الصدمة، لكنها لا تقتلها تمامًا؛ إذ إن قتل المشاعر يعني الاستسلام التام، كالأضحية التي تنتظر موعد الذبح. |
البند الثالث: نقيض البند السابق؛ إذ نفكر في أسوأ ما قد يحدث بعد انتصار الكابوس، ونغذي هذا التخيل بالخوف المكثف. الهدف من هذه الخطوة هو خلق توازن بين البندين، بحيث لا تطغى إحدى الحالتين على الأخرى. |
ختامًا .. |
الكوابيس، في مجملها، قرينة للأحلام. ومن الخطأ أن نظن أنّ علينا التخلّص منها، لأن ذلك – للأسف – أقرب إلى المستحيل. الكوابيس ترافق الأحلام، ولا تنتهي إلا بانتهائها، سواء تحققت أم لم تتحقق. فما دام الحلم قائمًا، فالكابوس قائم، وما بعد تحقق أحدهما، لا يبقى للأخر قيمة تُذكر. |
وبما أن الطموحات عالية، فإن المخاوف المرافقة لها ستكون على ذات القدر من العلو، وأحيانًا تكون هذه المخاوف نفسها ركيزة من ركائز النجاح. |
لذا، من الحكمة أن يعقد كلٌّ منا هدنة مع كوابيسه؛ يحدد فيها الشروط والبنود، ويتحول من دمية تتلاعب بها قوى اللاوعي، إلى لاعب يطوّع الكوابيس لما يخدم مصلحته. |
وضع الإنسان مع مخاوفه يشبه من يعقد صفقة في سيرك مع نمر، كلاهما يقفز في الهواء؛ إما أن ينجح العرض ويصفق له الجمهور، أو يكون هو الضحية التي تفترس على مرأى منهم. في تلك الحالة، سيكون الجمهور هو ذلك الطبيب الذي عجز عن إنقاذ مريضه. |
التعليقات