شـامـل | عــن رحيـل البـابــا فرنسيــس | العدد #13

بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي #العدد 13 عرض في المتصفح
لطالما كان رجال الدين يحملون حولهم هالة تزيد من وقارهم واحترامهم أمام مؤيديهم وأتباعهم، وهذه الهالة فيها من الوقار والسلام والطمأنينة الشيء الكثير، تتخلل نفوس هؤلاء الناس الذين طغت على نمط حياتهم الفردانية المظلمة، والحداثة المقيتة، والعلمانية المتطرفة، تلك المفاهيم التي جرّدت بعض البلاد والعباد من روح الدين وحلاوته الثقافية والطقوسية، وجعلتها شعوبًا ذات قلوب خاوية، تنظر إلى الدين كرمز للرجعية والخواء الروحي، وتعتبر التقدم والازدهار قائمين على التخلي عنه.هذا الخواء أفقدها جوهرها الأخلاقي الذي كان يأمر بأمر الكنيسة، من حق العدل والإيثار والإحسان إلى المساكين ومساعدة الفقراء.لطالما سعت الكنيسة الكاثوليكية إلى إبراز هذه القيم الدينية من خلال محاولاتها الحثيثة لحث أتباعها على العودة إلى الدين، والالتزام بتعاليمه الأخلاقية وتطبيقها في الحياة اليومية.يُعدّ البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس والستين بعد المئتين، رمزًا لن يُنسى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والعالم أجمع، حيث إنه صار رمزًا إنسانيًا عالميًا، يجسد السلام والرحمة والصدق والإحسان.حتى بات يُلقب بـ"بابا الفقراء"، وتخلى عن كثير من مظاهر الترف المعتادة للباباوات، مثل الإقامة في القصر الرسولي، مفضلًا العيش في بيت القديسة مرثا البسيط. إلى جانب دعوته المستمرة إلى مكافحة الفقر والظلم الاقتصادي العالمي، وتطبيق العدالة الاجتماعية.هو رمز للفقراء لأنه جعل من الفقراء قلب رسالته الروحية ونبضها الاجتماعي، ولكنه أيضًا رمز للسلام الديني العالمي، حيث كان داعيًا إلى السلام بين الشعوب والأديان، والتسامح والحوار، ونبذ الحروب والعنصرية، سواء كانت دينية أم عرقية.ومن أبرز مواقفه وقوفه ضد دعوات «الإسلاموفوبيا»، التي نشأت عبر الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، التي بدورها كانت تدعو إلى العداء البغيض ضد المهاجرين عامة، والمسلمين خاصة، حيث ذاق اللاجئون السوريون الويلات من نتائج هذه الخطابات، من إيذاء ومحاربة وتضييق في الأرزاق وغيرها.

بابا الفاتيكان... ومحاربة «الإسلاموفوبيا»

في اللحظة التي تحول فيها خطاب الكراهية والعنصرية الأوروبية ضد المسلمين والعرب من تحركات شعبية إلى سياسات تتبناها الأحزاب اليمينية، أصبح الأمر مقلقًا للعديد من الجاليات التي باتت تُعاني بشكل يومي من تصرفات ممنهجة ضدها، من تحيزات، وسَنّ قوانين ضد النقاب والحجاب، إلى التضييق على المراكز الدينية والتجمعات السلمية. ورغم هذا، وقف البابا ضد هذه الممارسات، داعيًا إلى الابتعاد عنها والالتزام بتعاليم يسوع التي لطالما كانت تتلاقى في قيمها مع تعاليم النبي محمد، حيث تنبع من منبع واحد وروح واحدة. إلا أن هذه النغمة العنصرية، المتمثلة بـ «الإسلاموفوبيا»، استمرت بالتجلي في العديد من هذه الدول، حتى صارت سمة تتفاخر بها، بعد أن كانت تفتخر بالمساواة والحقوق والحريات وغيرها من القيم التي تخلت عنها.

البابا.. والشرق العظيم

الشرق الأوسط، مهد الأديان وروح البلدان، لطالما أولت الكنيسة الكاثوليكية اهتمامًا بالغًا لرعاياها فيه، من العراق وسوريا ولبنان إلى فلسطين. ولطالما ندد البابا بشكل قاطع باستمرار الحروب، وحرص على متابعة أوضاع رعاياه بالسؤال عنهم، وفهم معاناتهم، ومخاطبة المجتمع الدولي وقادة العالم الغربي مرارًا وتكرارًا لإنهاء معاناتهم، وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة لهم.

رحل البابا ولم يُلقِ السلام

بعد يوم من عيد القيامة، رحل رمز السلام دون أن يُلقِ السلام، في عالم بات اليوم يفقد كل ما تبقى من قيمه الأخلاقية وعدالته الاجتماعية. عالمٌ صارت قلة المروءة منهجه، وفقدان الإنسانية كينونته. لم يُلقِ السلام، لأنه لم يبقَ سلام ليُلقَى، ولا قول رشيد يُصغى إليه. رحل في الحادي والعشرين من أبريل، من عالم عليل، تتفشى فيه أقذر الحروب وأكثرها نتانة، حروب تُشنّ بسبب الكراهية والعنصرية، من أجل عرق أو لون أو لغة. حروب صار الحقد والضغينة والأحكام المسبقة منهجها.

خــتـــامًــــا

لا شك أن رحيل البابا فرنسيس كان حدثًا جللًا، فقد كان رمزًا يصعب تكراره. عاد كثير من أتباع الكنيسة حول العالم إلى جوهر دينهم وأخلاقهم، وإذ نرثي رمزية رحيله، فإننا نرثي معها حال العالم الذي صار بعيدًا كل البعد عن القيم التي لطالما رددها: "سلام"، و"تسامح"، و"صدق"، وغيرها. إن وفاته تجدر بنا أن نتوقف، ونعود إلى هذه المفاهيم المنسية، ونسعى جاهدين إلى إعادة تكريسها في عالمنا المريض.

مشاركة
شـامـل

شـامـل

«شـامـل» | نشرة بريدية أسبوعية 📩 تُكتب من صُلب أفكار أحمد الحجيلي، ولأن كل فكرة تستحق أن تُروى كاملة، فـ «شـامـل» نشرة شاملة. «شـامـل» ليست مجرد نشرة، بل رحلة فكرية تأخذ قرّاءها إلى زوايا الأدب، والفكر، والثقافة، والتأملات النقدية، وحتى التساؤلات العابرة التي قد تقود إلى رؤى جديدة. لا تتبع خطًا واحدًا، ولا تلتزم بقالب جامد، بل تنمو مع كل عدد، تمامًا كما تنمو الأفكار في العقول، والأزهار في الحقول. في «شـامـل» لا أعدك بموضوعات تُقرأ وحسب، بل بمحتوى يحفّز عقلك، ويثير فضولك، ويفتح أمامك نوافذ جديدة على العالم. 📌 سوف تجد في «شـامـل» ☘ مقالات متنوعة تتناول كل ما يستحق القراءة والتأمل. ☘ تحليلات نقدية تُعيد النظر في الأفكار السائدة. ☘ مساحة مفتوحة لاكتشاف الجديد والمختلف. ☘ محتوى بلا قيود، كالفكرة التي تلهمنا دائمًا. في «شـامـل» الفكرة ليست النهاية، بل البداية لحوار جديد. — اشترك الآن، ودع الأفكار تأخذك في رحلة بين شِعاب عقل الكاتب، إلى أماكن لم تخطر ببالك!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من شـامـل