شـامـل | في مسرحية مكبث لشكسبير: كيف يمكن للطموح أن يهوي إلى انزلاق أخلاقي خطير؟ | العدد #9 |
بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 9 • عرض في المتصفح |
من يقرأ الأدب المسرحي في القرن السادس عشر، العصر الذهبي للدراما الإنجليزية، الذي انتعش نتيجة مساهمة شكسبير المذهلة التي غيرت وجه الأدب الإنجليزي والعالمي حتى يومنا الحالي، يعي كيف لعبَ شكسبير بشكل مذهل على الجوانب الدرامية بأسلوب يختلف عمن سبقه في مسرحياته. بدءاً من الشخصيات المعقدة نفسيًا، التي بناها وطورها بإحكام يتناغم مع الشخصيات الأخرى في المسرحية، وصولاً إلى حبكة مبتكرة، خليط مستوحى بعضه من تراث أسكتلندي وإغريقي أو روماني وحتى الأنجلو سكسون، ثم ذروة ملحمية تشد أعصاب القراء وتوترهم، وأخيراً خاتمة يُختم بها نوع المسرحية، إما في تاريخ شكسبير المسرحي المأساوي أو الكوميدي.
|
|
في مسرحية مكبث ... |
تلك المكتوبة في مطلع القرن السابع عشر، والمأخوذ شخصيتها من التراث الأسكتلندي، ناقش شكسبير صراع الطموح الذي تلبس الفارس النبيل مكبث، عندما التقى الساحرات الثلاث وأخبرنه بنبوءتهن لمستقبله الملكي. هذا الطموح الذي تولد من العدم لدى مكبث هو شعور إنساني فطري، فكل إنسان له طموحات وأهداف يسعى لتحقيقها، ولكن عندما يتخذ الإنسان سبلًا غير أخلاقية خطيرة تنزع منه إنسانيته، فهنا يكون هذا الطموح هويًا بصاحبه إلى قاع الهاوية. لم يكن لدى مكبث ذنب في نبوءات الساحرات الثلاث، لكن ذنبه هو سعيه بعد هذه النبوة بطريقة غير أخلاقية في سبيل تكيف القدر لتحقيقها، والتي حولته من فارس نبيل في أعين شعبه إلى قاتل عليل يسعى بشتى الطرق، بعد قتله الملك بطريقة وحشية ووصوله إلى السلطة، للقضاء على أي تهديد ولو كان ضئيلًا يمكن أن يهدد عرشه أو يزعزع أركان حكمه. |
مكبث يحاول تحقيق النبوءة |
هذا الفارس الذي كرمه الملك دنكن وأحسن إليه بعد بطولاته الأخيرة، تحول بشكل جذري عند سماعه لهذه النبوءة. هذا التحول يسلط الضوء على مسألة خطيرة في النفس البشرية والطموحات، وهي كيف يتحول الإنسان من الخير إلى الشر في لمحة بصر نتيجة لاختبار أخلاقي تختبرنا فيه الحياة؟ وكيف ينزلق الإنسان هذا الانزلاق الخطير في سبيل تحقيق الطموح؟ |
طموح بطلنا جعله يقدم على قتل الملك دنكن من أجل تحقيق النبوءة، وحسب اعتقاده أن القدر لن يتحقق إلا إذا أقدم هو على الفعل وتحرك في اتجاه تحقيقه، بينما غفل مكبث عن حقيقة أن الأقدار نافذة لا محالة، مهما سعينا لتحقيقها أو تراخينا في تنفيذها. |
والإنسان مخير في حياته، إما أن يختار الطريق السليم أو يختار الطرق الملتوية، وكلا الطريقتين لهما ثمن يجب أن يُدفع. ولكن أن يكون الثمن انتظارًا وصبرًا وتضحية خير من ثمنٍ يكون السقوط في الجريمة والذنب وانعدام الضمير سماته وعلاماته. |
لطالما كان الطموح مرتبطًا بالسعي إلى التقدم والازدهار، ولكن أن يتحول الطموح إلى مصدر للهلاك والانحطاط، هنا يجب إعادة النظر في هذا الطموح. فلا يمكن أن يُقبل بطموحٍ يكون القتل فيه مباحًا والجريمة مبررة، فالغاية أبدًا لا تبرر الوسيلة، خصوصًا تلك التي تنتهج من الجريمة طريقًا للوصول إلى السلطة، ومن الكذب والتدليس على الخصوم مبررًا للتصفية. |
مكبث بعد ارتكابه جرائمه لم يهنأ ليلة واحدة، إذ إنها ظلت تلاحقه أشباح ضحاياه، وتحول إلى سلطوي وطاغية يترقب الجميع ولا يثق بأحد، حتى أقرب جنوده. الأمر الذي جعل مملكته تحلُ عليها سحابة سوداء تمطر رعبًا وخوفًا لساكنيها وحتى لجنودها. وهذا ما جعله عرضة للغزو من خصومه الآخرين، الذين وجدوا أن الحالة المضطربة التي وصلت إليها مملكته فرصة مواتية للانقضاض عليه بسهولة، وقتله وإزالة حكمه. وعودة أبناء الملك دنكن، مالكوم ودونالبين، الذين فروا إلى إنجلترا بعد اغتيال والدهم، إلى اسكتلندا لاستعادة حكم والدهم المسلوب. |
ماذا يحاول شكسبير أن يقول؟ |
شكسبير، في مسرحيته العظيمة مكبث، استطاع إيصال العديد من الرسائل التي تضمنتها المسرحية، ومن ضمنها رسالة الطموح. هذه الرسالة تحكي بتفاصيلها كيف أن الإنسان أحيانًا يولع بشيء إلى درجة يسعى فيها ولو بطرق غير أخلاقية للحصول عليه. هذا الطموح الذي انعطف بمكبث إلى الهاوية بجريمة اغتيال الملك الإسكتلندي، جر خلفه العديد من الجرائم في المسرحية، وكل هذا الهدف منه ألا ينازعه في حكمه أحد. ويتضح من شخصيته أنه شخصية وقائية، تحاول القضاء على أي بوادر شك أو توجس من تهديد على عرشها في المستقبل. |
مسك الختام |
تُعد مسرحية مكبث واحدة من أروع أعمال شكسبير التراجيدية، حيث كانت من المسرحيات الفارقة في تاريخ المسرح العالمي والإنجليزي خاصة. هذه المسرحية التي أبدع شكسبير في التلاعب بخطوطها العريضة وخلق شخصياتها وتطويرها، بشكل يجعل من الأفكار الأساسية كالطموح تتجسد في تعابير مكبث وكلماته وأحاديثه إلى نفسه طوال المسرحية. هذا الطموح الذي حوّله من فارس نبيل في عين الملك الإسكتلندي إلى وحش يقتله ويسعى لفرض سلطته بالطغيان على كل جنوده. هذا الوحش أدى في نهاية المسرحية إلى تزاحم الخصوم عليه، والسعي للانقضاض عليه وتحرير شعب اسكتلندا من هذا الطاغية الغادر. |
التعليقات