شـامـل | العوض الجميل.. بلسم إلهي بعد عناء طويل | العدد #07 |
بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 7 • عرض في المتصفح |
لطالما اكتوت قلوبنا بنار الانتظار، انتظار ذلك المرتقب الذي لا نعرف عنه شيئًا، ولا نملك عنه أي معلومة أو دلالة، ولا حتى فكرة، سوى أنه آية ربانية من آيات الله الكونية، نؤمن بها رغم صعوبة التحديات، وقسوة الأحداث، وشدة المعطيات. هذا الانتظار، بطوله، يكشف عن عبثية من عبثيات الحياة، لا نعرف لها بداية ولا نجد لها نهاية، أشبه بحالة من العيش في زمن العطش.في هذا الانتظار غير المنتهي، بآلامه النفسية وغصاته اليومية، يكون طعمه في مجمله مرارة، لا يحليها سوى ذلك الأمل البسيط، الذي يشع كالنور الساطع. بدونه، تنهار المعنويات، وتبلد المشاعر، وتخبو الطموحات. هذا الأمل هو العوض الجميل، ذاك الذي يجمل كل شيء؛ فهو الذي يحلي مرارة الانتظار، وينعش نبضات المشاعر، لتزهو بعدها الطموحات. لولا الله، ثم عوضه الجميل، لكنا أشبه بجثث هامدة، غير قادرين على الحياة، ولا على الأمل، ولا على النهوض لنعمّر الأرض. لكن كيف نبني هذا العوض من العدم؟ وكيف نعبر به مرحلة الصبر الجميل؟
|
|
الصدمة.. وبداية الرحلة المُرّة |
|
في بداية أي حدث صادم، علينا أن ندرك، بيقينٍ تام بالله سبحانه وتعالى، أن هذه الصدمة وتبعاتها، سواء أكانت سلبية أم إيجابية، راحلة لا محالة، طالت أم قصرت، تعقدت أم تيسرت. وسيأتي بعدها عوض جميل، يكون بديلًا عنها. |
هذه سنة إلهية كونية، لا تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا. فكلما كان استيعاب الصدمة أسرع، انعكس ذلك إيجابًا على الإنسان وصحته، في كل جوانبه: النفسية والعقلية والجسدية. إذ تستريح النفس لعوضها القادم وتطمئن له، والعقل ينشغل عنه بأفكار أخرى، والجسد يستكين تبعًا لسكينة النفس وانشغال العقل، فينعكس ذلك على الصحة العامة التي تتأثر بهما اضطرابًا وراحة. |
ما بعد الصدمة.. العوض يبدأ كمشعل |
في مرحلة ما بعد الصدمة، وتقبلها، يأتي العوض كمشعل أولي، كعلامة من علامات العوض الجميل. فمن خلاله، يبدأ العقل بتطهير الذهن من الأفكار السلبية الناتجة عن الصدمة، وتبدأ النفس بالشعور بالطمأنينة، مؤمنةً بأن القادم أفضل، وأن ما مضى كان لحكمة لا يعلمها إلا الله. |
هذا المشعل هو الذي ينير المرحلة الثقيلة، بكل ما فيها من أشخاص، وأفكار، وآلام. وجمال فكرة "العوض الجميل" يكمن في أنها تنسف السلبية بكل أشكالها؛ بحيث يؤمن الإنسان، إيمانًا مطلقًا، بأن كل حدث سلبي يحمل في طياته حكمة ربانية، وما عليه إلا الانتظار بصبر واحتساب لهذا العوض الجميل. وهذا ما أكده النبي ﷺ في حديثه: (عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له") رواه مسلم. |
فالإيمان بالعوض الجميل، الناتج عن الصبر الجميل، هو إيمان بسنة الله الكونية القاهرة بالتعويض والبدل، مهما استعصت الظروف أو تعقدت السبل. |
ختامًا |
إن سنة الله في كونه ثابتة، لا تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا. فالله عز وجل يعوض عباده بالعوض الجميل، الناتج عن صبر امتد دهرًا وزمنًا طويلًا. ربما تبدو سبل الوصول والحلول معقدة، لكن الحقيقة أن الإنسان، مهما طال به الزمن، يبقى إيمانه بالعوض القادم هو الشعلة التي يتخطى بها آلامه، ويتجاوز بها معاناته. |
حتى لو عشت في حالة من الشك أو عدم اليقين بسبب طول الانتظار وكثرة السنين، تذكر أن العوض الجميل وعدٌ إلهي، قطعه الله سبحانه وتعالى لعباده الصابرين، ليعوضهم عن كل ما تحملوه، وعاشوا فيه من ظروف قاهرة وآلام مستعصية. فتحمل الآلام هو ما يولد الصبر الجميل، الذي يكون ميلادًا لعوض ينير الآفاق، ويريح النفس، ويزيل الغصة من الأعماق. |
التعليقات