شـامـل | كيف نراقب مشاعرنا دون أن تسيطر على تفكيرنا؟ | العدد #06

بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي #العدد 6 عرض في المتصفح
حياتنا مليئة بالتحديات التي تطرأ فجأة وتعطل مسارها، فتجعلها كالمشلولة، وينعكس ذلك علينا، فيمنعنا من الانشغال بما يجب أن ننشغل به، سواء كان عملًا، أو دراسة، أو واجبات عائلية واجتماعية. هذه التحديات تكبلنا إلى درجة نشعر معها بأننا مقيدون تمامًا لسلطة مجهولة، ولا سبيل للتخلص من قيدها وتسلطها إلا بالغرق في التفكير المستمر طوال اليوم، لعلنا نجد راحة ولو بسيطة من آلامها النفسية. ومع ذلك، ندرك في قرارة أنفسنا أنها تحديات مزعجة لن تفيدنا بشيء، بل ستؤذينا، وسينعكس أثرها في تعطيل يومنا وسوء مزاجنا طوال الوقت.لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في التحديات ذاتها، فهي جزء من ديناميكية الحياة البشرية منذ اللحظة التي هبط فيها أبونا آدم – عليه السلام – إلى الأرض. ولا مفر لنا من تقبلها كما هي، مهما تنوعت أشكالها أو تغيّرت مسمياتها، إذ ستبقى ما بقي البشر. إنما تكمن المشكلة في أننا، في كل مرة نتعرض فيها للتحدي، نقع في الفخ ذاته، سواء وعينا ذلك أم لم نعِه، وهو فخ التعامل مع التحدي نفسه بدلًا من التعامل مع المشاعر التي يثيرها.

مراقبة المشاعر

 

إحدى أصعب التحديات النفسية التي قد نوجهها هي محاولة مراقبة مشاعرنا أثناء مواجهة تحدٍّ ما. والمقصود بمراقبة المشاعر هو إدراك أن ما نشعر به من مشاعر سلبية ليس ناتجًا عن التحدي ذاته بالضرورة، بل هو انعكاس لحالتنا العاطفية الحالية. والدليل على ذلك أنك إن فكرت في مشكلة واجهتها قبل مدة طويلة، ستجد نفسك الآن في حالة هدوء تام على الصعيد العاطفي، على عكس ما كنت عليه وقت حدوثها. وهذا يدل على أن المشاعر كانت تسيطر حينها أكثر من التحدي ذاته.

لكن لا ينبغي علينا انتظار يوم أو أكثر حتى نتعافى من مشاعر مشكلاتنا أو حتى تُحل جميع تحدياتنا، لأن الحياة لا تمنحنا دائمًا رفاهية الوقت، ولا يمكن أن نسمح لكل تحدٍّ بأن يستبيح يومنا، ويعكر مزاجنا، ويشغلنا عن مهامنا.

فصل المشاعر

مراقبة المشاعر هي الخطوة الأولى والأساسية التي ينبني عليها فصل المشاعر عن التحديات. أما عملية فصل المشاعر، فهي الجانب العملي الذي يتوجب علينا تطبيقه بعد خطوة المراقبة. ففي المراقبة، نذكّر أنفسنا بأن المشاعر السلبية هي المشكلة الأساسية وليس التحدي ذاته. أما في الفصل، فنحاول التحرر من هذه المشاعر والتعامل مع التحدي بموضوعية، بعيدًا عن التأثير العاطفي الذي ولّدته.

صحيح أن الأعراض الجانبية لا تزول إلا بزوال علتها، لكن هذا ليس صحيحًا دائمًا. فإذا لم نستطع حل التحدي الذي نوجهه، فهذا لا يعني أن نسمح لمشاعرنا بإفساد يومنا. بل علينا أن نبدأ بحل ما هو أسهل وأسرع تأثيرًا، وهو السيطرة على مشاعرنا.

خطوات فصل المشاعر

حتى نتمكن من فصل مشاعرنا عن التحديات، علينا أولًا تحديد طبيعة الشعور الذي يسيطر علينا: هل هو حزن؟ قلق؟ اكتئاب؟ تفكير مفرط؟ انزعاج؟ الهدف من هذا التمرين ليس مجرد تصنيف مشاعرنا، بل إشغال وعينا بها بدلًا من السماح للتحدي بالسيطرة على تفكيرنا بالكامل.

هذه الخطوة لا تستغرق إلا ثوانٍ معدودة، لكنها ستكون بمثابة حاجز يمنع التحدي من التسلل إلى عقولنا والسيطرة عليها. وبمجرد إشغال العقل بمشتتات أخرى، مثل الترفيه، أو ممارسة نشاط روحاني ولو لدقائق، ثم الانهماك في العمل أو الدراسة، ستجد أن التحدي بدأ يضعف، وكأنه غريق في بحر لا يجيد السباحة فيه. فالتحدي يستمد قوته من المشاعر، وإذا فصلنا المشاعر عنه، مع توفير عناصر ترفيهية وروحانية تحارب تأثيره، فإنه سيفقد كل قوته تدريجيًا مع كل محاولة يبذلها لتعكير صفونا.

ختامًا

مشاعرنا قابلة للمراقبة والسيطرة، ويمكننا فصلها عن التحديات التي نشأت منها إذا وعينا هذه العملية بشكل صحيح. والإدراك بأهمية فصل المشاعر في لحظة الذروة هو السبيل الوحيد لحماية أنفسنا نفسيًا من الآثار السلبية لهذه المشاعر المضطربة.

إن مقدار الفائدة التي سنحصل عليها في حال لم نراقب مشاعرنا ونفصلها هو صفر. فالتفكير المفرط لن يحل المشكلة، كما أن استنزاف أنفسنا وإضاعة أوقاتنا في التفكير فيها لن يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية. علينا التعامل مع التحديات بموضوعية ومنطق، والابتعاد عن الغرق في المشاعر قدر المستطاع. فالتفكير المنطقي لا يعني حل المشكلة فورًا، بل يعني الخروج من الحالة النفسية المضطربة التي تمنعنا من التعامل معها بوضوح، مما يقودنا في النهاية إلى برّ الأمان النفسي.

مشاركة
شـامـل

شـامـل

«شـامـل» | نشرة بريدية أسبوعية 📩 تُكتب من صُلب أفكار أحمد الحجيلي، ولأن كل فكرة تستحق أن تُروى كاملة، فـ «شـامـل» نشرة شاملة. «شـامـل» ليست مجرد نشرة، بل رحلة فكرية تأخذ قرّاءها إلى زوايا الأدب، والفكر، والثقافة، والتأملات النقدية، وحتى التساؤلات العابرة التي قد تقود إلى رؤى جديدة. لا تتبع خطًا واحدًا، ولا تلتزم بقالب جامد، بل تنمو مع كل عدد، تمامًا كما تنمو الأفكار في العقول، والأزهار في الحقول. في «شـامـل» لا أعدك بموضوعات تُقرأ وحسب، بل بمحتوى يحفّز عقلك، ويثير فضولك، ويفتح أمامك نوافذ جديدة على العالم. 📌 سوف تجد في «شـامـل» ☘ مقالات متنوعة تتناول كل ما يستحق القراءة والتأمل. ☘ تحليلات نقدية تُعيد النظر في الأفكار السائدة. ☘ مساحة مفتوحة لاكتشاف الجديد والمختلف. ☘ محتوى بلا قيود، كالفكرة التي تلهمنا دائمًا. في «شـامـل» الفكرة ليست النهاية، بل البداية لحوار جديد. — اشترك الآن، ودع الأفكار تأخذك في رحلة بين شِعاب عقل الكاتب، إلى أماكن لم تخطر ببالك!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من شـامـل