نــشــرة فــهــرس تــشــريــعــي - الــعــدد (8) | الــحــشــو الــتــشــريــعــي

27 أكتوبر 2025 بواسطة منيرة راشد المرشد وَعبير محمد الأحمري #العدد 8 عرض في المتصفح

تعريف |

يُعرَّف الحشو التشريعي، في الاصطلاح القانوني، بأنه عيبٌ في الصياغة التشريعية يتمثل في زيادة لفظية على قدر الحاجة في بنية النص النظامي، لا يترتب عليها حكمٌ أو فائدة، بحيث يمكن الاستغناء عنها دون أن يخل ذلك بقصد المنظّم أو الأثر القانوني للنص. ويهدف هذا التعريف إلى أن يكون جامعًا مانعًا؛ فهو "جامعٌ" لأنه يشمل كل زيادة لا طائل منها، سواء كانت كلمة أو عبارة أو مادة كاملة، و"مانعٌ" لأنه يمنع دخول ما هو ضروري للتوضيح أو الإسهاب المحمود في نطاق هذا العيب.

فالحشو، بهذا المعنى الدقيق، هو نقيض مباشر لمبدأ الاقتصاد التشريعي، الذي يقتضي الإيجاز والدقة في التعبير عن القاعدة النظامية. وهو لا يقتصر على كونه مجرد خطأ لغوي، بل هو خلل منهجي في "فن الصياغة"، يحوّل النص من أداة محكمة لضبط العلاقات إلى نص مثقل بالزوائد التي تفتح أبواب الغموض والتأويلات المتضاربة.

لـمـاذا وَكـيـفَ وَمَـتـى؟ |

يُمثل الإسهاب والحشو في الصياغة التشريعية تحديًا جوهريًا يمسُّ مبدأ الأمن القانوني، ويقوّض استقرار المراكز القانونية التي تُعد الركيزة الأساسية. فالنص النظامي، الذي يُفترض فيه الوضوح والجزم لضمان حُجيته، يصبح عند إثقاله بالترادف والاستطراد نصًا مُربكًا، الأمر الذي يؤدي إلى تباين في الاجتهاد القضائي، ويزيد من العبء على المخاطبين بأحكامه، ويفضي في نهاية المطاف إلى حالة من التضخم التشريعي. وينشأ هذا الخلل غالبًا إما من الإفراط في التوضيح دفعًا لأي لبس محتمل، فيقع الإسهاب غير المبرر، أو بسبب توالي التعديلات الجزئية على الأنظمة القائمة دون مراجعة تكاملية وشاملة.

بالرغم من أن تحديد مواطن الحشو لا يمكن أن يكون أمرًا جازمًا إلا أنه قد يرى البعض أن من الأمثلة في السياق السعودي، هي الانتقال من نظام الشركات الصادر عام 1437هـ إلى النظام الصادر عام 1443هـ. وذلك بإعادة تنظيم صياغة النظام والالتزامات التي نشأت بموجبه درًأ لأي إطناب طرأ على النظام القديم، ويتضح جليًا كيف تدارك المنظم السعودي ما يمكن اعتباره حشوًا تشريعيًا، بصياغة باب موحد في بداية النظام تحت عنوان (الباب الأول: أحكام عامة فصل تمهيدي) بدلًا من التكرار والإحالة في النظام وحشو الأحكام المتفرقة في مادة واحدة، جاء هذا الباب جامعًا لكل الأحكام التي قد تسري على صور الشركات الواردة في النظام.

ومن ذلك فقد كانت المادة (78) من النظام القديم تُسهب في تفصيل مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة، حيث تضمنت فقرة تأسيسية طويلة تحدد المسؤولية التضامنية، وحالات الإعفاء منها عند المعارضة أو الغياب، ثم فقرتين لاحقتين تتعلقان بعدم تأثر دعوى المسؤولية بإبراء الذمة، وتقادم الدعوى. هذا التفصيل، رغم أهميته، كان يثقل المادة بأحكام كان يمكن توزيعها أو صياغتها بإيجاز أكبر. في المقابل، عالجت المادتان (28 و30) من النظام الجديد ذات الموضوع بتركيز ودقة أكبر، حيث اقتصرت المادة (30) على الحكمين الجوهريين: عدم تأثر الدعوى بإبراء الذمة، وتحديد مدد تقادم الدعوى بشكل مباشر وواضح. وتم الاستغناء عن التفصيلات المطولة للمسؤولية التي أصبحت منظمة في مواد أخرى (28)، مما جعل النص الجديد أكثر إحكامًا وأسهل في الفهم والتطبيق. هذا التحول من الإطناب إلى الإيجاز هو تطبيق عملي لمبدأ "الاقتصاد التشريعي"، الذي يهدف إلى تنقية النصوص من أي زيادة لا يضيف حكمًا جديدًا أو تُحدث لبسًا على المادة التي تتعلق بمدد تقادم الدعوى واستثناءاتها.

وهو توجه يتسق تمامًا مع السعي نحو رفع كفاءة البيئة التشريعية، إذ أن السعي نحو جودة الصياغة التشريعية ضرورة تفرضها متطلبات المرحلة. ذلك أن تحقيق الكفاءة والشفافية يتطلب الالتزام الصارم بـ "مبدأ الاقتصاد التشريعي"، الذي يوجب التعبير عن الحكم بأوجز عبارة وأدق لفظ.

1)  د. ليث نصراوين، "متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها على الإصلاح القانوني"، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، العدد ١٢، ٢٠١٧. (انقر هنا)

2) د. الطيب برمضان، "أهم العيوب الصياغية الواردة في تشريعات الأحوال الشخصية العربية (نماذج مختارة)"، المؤتمر الدولي التاسع للقضايا القانونية، فبراير ٢٠٢٥. (انقر هنا)

3) د. عبد القادر الشيخلي، فن الصياغة القانونية تشريعًا، فقهًا، قضاءً، محاماة). (انقر هنا)

4) خالد جمال أحمد حسن، بحث بعنوان "ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها"، ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الرابع (القانون – أداة للإصلاح والتطوير) – العدد ٢ – الجزء الأول – مايو ٢٠١٧. (انقر هنا)

محمد المطلقAbdulrahman Alharbi2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة فهرس تشريعي البريدية

نشرة فهرس تشريعي البريدية

نشرة فهرس تشريعي تتناول في كل عدد منها "مصطلح" أو "مبدأ" يتعلقّ بعلم صياغة التشريعات، من خلال الجمع والتحليل للمصادر المختلفة للإجابة عن (5) أسئلة رئيسية هي: ما هو؟، لماذا وكيفَ ومتى يُستخدم؟، وأينّ يُمكن أن أقرأ أكثر عنه. ويُرجى ملاحظة أن بعض تلك المصطلحات والمبادئ لا تزال مُستحدثة ولا تعريف واضح لها في الممارسة في المملكة، وعليه فإن ما سيرد بشأنها في النشرة يُعد خُلاصة تجربة أو تحليل للوصول إلى تعريف وإجابة بشأنها على كل سؤال من الأسئلة أعلاه.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة فهرس تشريعي البريدية