نشرة سرد البريدية - #11 درس الخشوع على سفوح القوقاز |
14 سبتمبر 2025 • بواسطة هند عامر • #العدد 11 • عرض في المتصفح |
أفضل مايمكن أن يحدث لك؛ أن تكون في حالة ارتباك روحي، ثم يقدر الله لك رحلة إلى جبال القوقاز فيجورجيا؛ فتجد نفسك وسط مكان تحيطك فيه القمم الشاهقة مثل جبل شخارا، وجبل كازبيك، وجانغا، وأوشبا وماامتسمنيندا، التي تلهمك لتجد قمتك الروحية.
|
|
![]() |
وصلت إلى جبال القوقاز وأنا محمّلة بارتباك روحي داخلي مخيف، كنت قبل مدة من ذلك قد استخرت الله في أمر مصيري وألححت على الله بالدعاء، وحينما تيسر وظننت أن الأمنية تحققت اكتشفت أنها احتالت ابتلاءً، تهاوى كل شيئ في داخلي وتشبثت بحسن ظني بالله وذهبت في رحلة لجبال القوقاز في محاولة للهروب، في البداية بدت المنعطفات الوعرة انعكاسًا مباشرًا لفوضاي، لكن شيئًا فشيئًا، بدأت أرى أن الجبل لا يعكس اضطرابي بل يعلوه، ويضعني أمام مرآة أكبر؛ أرى فيها أن كوني صغيرة أمام الابتلاء، لا يعني أنني غير قادرة على أن أجد قمتي بين القمم. |
![]() |
لم تكن رحلتي إلى القوقاز مجرد سياحة؛ كانت أشبه برحلة داخلية أبحث فيها عن نفسي بين صخور وعرة ومسالك ضيقة، كل منعطف في الجبل كان يوازي اضطرابًا في داخلي، وكأنني أحمل أسئلتي على ظهري كما يحمل المتسلق حقيبته الثقيلة، كان سؤال (كيف؟) يفتك بي، كنت أردد كيف حدث هذا؟ كيف اتخذت هذا القرار الخاطئ رغم أنني استشرت واستخرت؟! ثم بدأت أتحسس طريقي وأستلهم من القمم التي تحيطني ضرورة أن تكون لي قمة روحية، القمة الروحية لا تُقاس بالأمتار ولا بالارتفاعات، إنها لحظة إدراك: أن الصعود ليس في عدد الخطوات التي قطعتها، بل في الجرأة على مواجهة ذاتك، كل عثرة، كل نفس يضيق، هو تدريب على الصعود الحقيقي: صعود القلب والروح. |
![]() |
انكببت على تأمل عظمة خلق الله من فوق تلك القمم، وعند نقطة ما، توقف الارتباك، وحلّ مكانه خشوع عجيب! هناك، في صمت القمم، شعرت وكأن الجبل يخلع عني أوزاري واحدًا تلو الآخر، ويرفع عني كل ثقل الحيرة والضياع، وتجلت داخلي مساحة للسكينة، وعشت صفاء مؤقتاً أعاد ترتيب فوضاي، هناك فهمت أن القوقاز لم يمنحني قمة جغرافية فقط، بل قمة روحية أعادت ترتيب داخلي، وجعلتني أعود أخفّ، أوضح، وأقوى. |
• نقطة آخر السطر: |
أحياناً لا تعلو لأنك صعدت، بل لأنك أخيراً توقفت عن الهبوط في داخلك. |
كتبته: |
هند عامر |
منتصف سبتمبر ٢٠٢٥ |
التعليقات