نشرة سرد البريدية - العدد #4 لايكفي أن تكون الأكفأ لتفوز |
20 يوليو 2025 • بواسطة هند عامر • #العدد 4 • عرض في المتصفح |
المقاهي أماكن تسمح لنا بأن نكون غرباء بامتياز، غرباء عن العالم، عن هواتفنا، وأحيانًا عن أنفسنا… لكننا في ذات اللحظة، نغدو قريبين جدًا من حقيقةٍ ما كانت لتظهر لولا صمت المقهى وهمس الغرباء الآخرين، فهنا تُعقد الحوارات الفارقة، وتُكتَب القرارات المصيرية على أورق المناديل، ويحدث أحيانًا أن نُولد من جديد لمجرد أن غريبًا في الطاولة المجاورة قال جملةً أصابتنا في هشاشتنا العميقة.
|
|
![]() |
في مقهى عصريٍ أنيق، ينسابُ فيه الضوء على استحياء، ويعانق الزجاج الواسع جلبة المدينة دون أن يقحمها، وتكثر المساحات المتباعدة التي تمنح الجالس بعض الخصوصية والعزلة، وبينما أنا منهمكة في القراءة تناهى إلى سمعي حوار شاب مع أصدقائه وهو يخبرهم أنه لن يسافر معهم في هذا الصيف لأنه ينتظر نتيجة المقابلة الشخصية التي أجراها مؤخراً، كان الشاب واثقاً أنه سيقبل في هذه الوظيفة لأنه (الأكفأ)، وكان أصدقائه يصرون عليه ليرافقهم -بتعاطف خفي-، ولكن بلاجدوى! |
ولأن المقاهي جغرافيا الحكايات، التي تُختزن فيها قصص البشر مثلما تختزن الأرض آثار أقدامهم، فقد تسمع قصة لغريب توقظ فيك ذكرى حكاية قديمة، وهذا ماحدث معي. |
حيث تذكرت بداية حوار صريح مع صديقة تجادلنا فيه حول قيمة الإنسان وهل تقاس بتاريخه وإمكاناته أو بما يفرضه السوق، فلطالما تربّينا على أن الاجتهاد والكفاءة وحدهما يكفيان لصنع مستقبلٍ مهنيٍ باهر، لكن اتضح لنا أن الواقع أكثر تعقيدًا. |
كنت حينها أشرح لصديقتي المتخصصة والخبيرة في مجال الاستثمار - دعونا نسميها نِبَال- عن خطأ وقعت فيه وأنا أصوغ سيرتي الذاتية، وكيف أن هذا الخطأ كلفني الكثير لعدة سنوات، حتى تنبهت له مؤخراً مصادفة من إحدى الجهات، وبينما أنا منهمكة في الحديث قاطعتني هي قائلة: |
لماذا تقيسين قيمتك بكفاءتك؟ |
تفاجأت من سؤالها الصادم وأجبت: وما هو المقياس إذن؟! |
نِبَال: السوق هو من يحدد قيمتك، لستَ أنت. |
![]() القيمة السوقية للفرد |
أنا: هل تشكين في كفاءتي؟ |
نِبَال: بل أشك في أن السوق يقيس قيمتك السوقية بأقل أو أكثر مما تقيسين به نفسك! |
أنا: هل تعين ما تقولين؟! أنت تطلبين أن أرهن نفسي لقوانين السوق؟! أن نستبدل قيمة الإنسان بوصفه كائنًا عاقلاً، صاحب كرامة متأصلة، بقيمة الإنسان في السوق كـ “منتج” اقتصادي لا غير؟! |
نِبَال: قيمة الإنسان لا يجب أن تُختزل في رقم، لكن في عالم يعمل بالأسواق، نحتاج أحيانًا إلى لغة السوق لإثبات جدارة الإنسان -دون أن نستسلم لتسليعه-. |
أنا: هي الرأسمالية إذن، أي هدر للإنسانية أكثر من ذلك! |
نِبَال: تستطيعين أن تدوري في محيط التنظير وتستشهدين برأي كانط، الذي يرى أن الإنسان غاية في ذاته ولا يجوز استخدامه كوسيلة، أو ماركس الذي يرفض اختزال الإنسان إلى سلعة ويعتبر ذلك من الاغتراب، أو حتى سارتر الذي يؤكد حرية الفرد ووجوده ككائن فاعل لا كمنتج، لكن كل هؤلاء يا صديقتي، حتى لو عادوا من قبورهم، لن يجدوا لأي منا وظيفة تخرجه من الإلتزامات، فضلًا عن أن تمنحه الحرية المالية. |
أنا: حسنا، أخبريني ما الذي تعنينه بالضبط؟ |
نِبَال: أعني أن تبذلي جهدك وتجيب على السؤال الأهم: كم قيمة هند السوقية المهنية كفرد؟ |
شعرت بمفاجأة من عمق السؤال؛ والمفهوم الجديد الذي تخبرني به نِبَال، واضطررت لإنهاء الحوار معها بعد تأخر الوقت، وعدت أبحث عن الإجابة للسؤال الذهبي: كم قيمة هند السوقية المهنية؟ |
![]() معادلات القيمة السوقية |
فوجدت أن هناك أربعة أسئلة ستفيدني: |
١- ما هي الطرق الحسابية لحساب القيمة السوقية للفرد؟ |
٢- ما هي الأدوات لحساب القيمة السوقية للفرد؟ |
٣- ما أسهل طريقة لتحليل القيمة السوقية للفرد بدون جهد؟ |
٤- ما هي الأمور التي ترفع القيمة السوقية للفرد في سيرته الذاتية؟ |
وانطلقت في محاولة العثور على الإجابات؛ أما سؤال ما هي الطرق الحسابية لحساب القيمة السوقية للفرد؟ |
فوجدت أكثر من طريقة حسابية أو “معادلة تقديرية” تُستخدم في تحليل القيمة السوقية المهنية (Market Value) للفرد، وهي ليست قوانين، لكنها أدوات تقدير ذكية مبنية على: |
|
وأشهرها ثلاث معادلات، وتفصيلها كالتالي: |
1. معادلة الخبرة والتأثير (النموذج المبسط): |
\text{Market Value} = (Base Salary) + (Years of Experience × Experience Multiplier) + (Specialization Premium) |
2. معادلة “البديل في السوق” (Benchmarking): |
\text{Market Value} = \text{Avg. Salary for Role} × (1 + Skill/Impact Differential) |
3. للوظائف الاستشارية أو الباقات: |
\text{Value per Month} = (\text{Hourly Rate} × Hours) + (Strategic Retainer) |
![]()
|
هل أرهقتكم بكثرة المعادلات دعونا ننتقل للسؤال الثاني إذن؛ ما هي الأدوات لحساب القيمة السوقية للفرد؟ |
حينما بحثت وجدت عدة مواقع مثل Glassdoor، Payscale، SalaryExplorer، وBayt، تستخدم خوارزميات بناءً على القطاع، والمسمى، والموقع الجغرافي، وتحتاج تكرار لتجربتها وفهمها. |
و نأتي الآن للإجابة على سؤال: ما أسهل طريقة لتحليل القيمة السوقية للفرد بدون جهد؟ |
وهذا السؤال الأهم، ولكن يمكن إيجاد إجابات له ، إنه الذكاء الاصطناعي يا سادة؛ ارفع سيرتك الذاتية المفصلة تفصيلاً دقيقا وعميقا على شات جي بي تي واطلب منه ما يلي: |
١- نقاط القوة التي ترفع القيمة السوقية في سيرتك. |
٢- القيمة السوقية التقديرية في السوق السعودي لك، شاملة: |
أ. المسار سواء (حكومي، شبه حكومي، قطاع خاص) |
ب. المسميات الرسمية المحتملة |
ج. النطاق التقديري للراتب بالريال السعودي/ الشهر |
٣- توصيات لزيادة القيمة السوقية. |
ولا تنسى أن تنبه في آخر الطلب أنك تريد إجابة دقيقة صريحة دون مراعاة للمشاعر فخدمة (شات جي بي تي) لطيفة لدرجة قد تكون مضللة. |
وأخير نأتي لسؤال: ما الأمور التي ترفع القيمة السوقية للفرد في سيرته الذاتية؟ |
وهذا سؤال حر ولا إجابة محددة له، لكن هناك إجراءات بسيطة قد تصنع الفرق: |
١- أن توثق أثر مشاريعك رقميًا (عدد المستفيدين، مؤشرات أداء، تحولات ملموسة). |
٢- أن تتحدث عن عملك فكريًا: عبر LinkedIn أو مقالات رأي أو محاضرات، لأن الصورة الذهنية لها ارتباط بالقيمة السوقية. |
٣- أن تجهز عرضًا تعريفيًا شخصيًا “Professional Portfolio” يدعم سيرتك، فالسيرة وحدها أحيانًا لا تكفي. |
![]() تأمل |
نعم في ذلك المقهى العصري الذي يحرض على التأمل، تذكرت كيف أدركت أن ما نبحث عنه ليس إجابة من السوق فقط، بل مرآة تُعيد تعريفنا لأنفسنا، أن تعرف قيمتك السوقية لا يعني أن تنسلخ من ذاتك، بل أن تنقذها من الإنهاك، وتضعها حيث تستحق، وأن نوقظ فينا سؤالًا عميقاً : كم تساوي حين تصحو على حقيقتك السوقية؟ |
—— |
ودمتم؛ |
كتبته هند عامر |
يوليو ٢٠٢٥ م |
التعليقات