نشرة همّام البريدية - العدد #3

20 يناير 2025 بواسطة همّام #العدد 3 عرض في المتصفح
الأمان التربوي 




المحيط الخارجي للمتربي يؤثر بشكل كبير على ما بداخله، وقد يكون سببًا في دفعه نحو بناء شخصية سوية، أو تعثرات تعقبها تجاوزات تترك بقايا من المتعلقات تلاحقه طيلة حياته. بلا شك، ما يحتاجه المتربي اليوم هو أن لا يكون مضطرًا إلى كسر حواجز، أو الخوض في متاهات تستهلك أوقاتًا كان بالإمكان استثمارها في الارتقاء بسلم الإنجاز والبناء. يحتاج المتربي إلى بيئة لا تثقل كاهله ولا تزيد من عبء التساؤلات التي أثقلته، بل تشارف على إسقاطه.


إن الهاجس يجب ألا يكون "أنت أيها المربي"، بل السؤال الأهم هو: "هل سأقوى على اتخاذ القرار والمضي في العمل بعدما تخلصت من الخوف من المجهول؟"


أتكئ على حلمك حين أتعجل بطرح أسئلتي المبعثرة وكأنني أعلم العاقبة جيدًا: "على رِسلك يا بني، فأنا معك، والوقت يتسع لكل الأسئلة."


يحتاج المتربي إلى محيط يساعده على إظهار الخير الكامن في نفسه ليُنمى، أو السوء الذي يُستبدل جذره بجذور طيبة.


ومهما بلغت براعة الطبيب، فإنه لن يستطيع تشخيص حالة المريض دون أن يتحدث معه أو يستمع إلى معاناته. وحتى بعد التشخيص، يبقى احتمال السلامة الكاملة غير مؤكد.
فكيف يسير المربي مع المتربين في بناء ذواتهم، وتصحيح أخطائهم، ووقايتهم من السقوط، إذا لم يصل إلى التشخيص الدقيق بعد؟ كيف يحقق ذلك وقد أصبحت الحواجز بينهما كجبال شاهقة؟


إنه لأمر مخيف أن يخشى المتربي طلب العلاج خوفًا من رد فعل المربي، أو لأنه لم يجد الثقة الكافية التي تجعله يتحدث بحرية وكأنه يخاطب صديقًا قريبًا يفوقه حكمة ومعرفة.


جاء في الأثر أن رجلًا قال للنبي ﷺ: "ائذن لي بالزنا." وأنا أتأمل هذا الموقف أتساءل: ما البيئة الآمنة التي أنشأها النبي ﷺ، حتى انعكس أثرها على ذلك الرجل، فجعله يتصالح مع نفسه إلى درجة البوح بما يختلج في صدره مهما كان الثمن؟ أو لعله كان يعلم الثمن؟


فكان نقاش النبي ﷺ رقيقًا، ودعاؤه خاتمًا: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه."
فيا تُرى، هل ينتهي نقاش المربي اليوم بالدعاء الصادق للمتربي، أم بالتوبيخ والنظرات الحادة؟وهل يشعر المتربي بأنه يستطيع أن يعبر عن نفسه بحرية أمام المربي؟ أم يعيش صراعًا داخليًا مكتومًا وهو بين يديه؟


إن المربي اليوم بحاجة إلى تكوين بيئة آمنة، ومحضن تربوي متكامل، وفهم ما يسبب غياب الأمان التربوي، ووضع معايير لتحقيقه، والسعي المستمر لتطوير أساليبه التربوية بما يتناسب مع حاجات المتربين و مشاعرهم.






مشاركة
نشرة همّام البريدية

نشرة همّام البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة همّام البريدية