نشرة همّام البريدية - العدد #2
|
|
20 يناير 2025
•
بواسطة همّام
•
#العدد 2
•
عرض في المتصفح
|
|
الفروقات الفردية
|
|
|
|
في إحدى محاضن التربية، عندما كان جمال يقضي برنامجًا ثقافيًا مع طلابه، انتبه إلى أحد الطلاب الذي يملك أمرًا لا يملكه أقرانه. فقد كان "عمر" ذا لياقة عالية، يربح في جميع التحديات، ولا يترك تحديًا إلا وتفوق فيه وأنهك غيره بقوته. ظهر نجم "عمر" بين أقرانه، وفرح به جمال فرحًا عظيمًا.
|
|
مع بداية الأسبوع، صار جمال يحتفي بـ"عمر" ويقربه منه، ويُظهر فرحه به كثيرًا. زاد له في مقدار ورده، لأنه رأى منه ما يُسره، وهمَّ بعمل برنامج خاص مكثف لتطويره. لكنه تفاجأ بعد مرور الأيام بأن "عمر" لم ينجز الوِرد الذي عليه، وأن بعض أصحابه تجاوزوه في الإنجاز. كان "عمر" لا يزال يتقلب بين السطور، غير قادر على تجاوز صفحة واحدة. تعجب جمال من ذلك، وعزم على سماعه والنظر في أمره. عندما جلس معه، تفاجأ بأن "عمر" اشتكى من مقدار الحفظ الذي عليه، وأخبره بأنه لا يستطيع أن يحفظ هذا القدر. صدم جمال من ذلك، وأسرّ في نفسه: "لعل لديه أمرًا عائليًا يمنعه ويشغله عن الحفظ والإتيان بالذي عليه، وإلا فما الذي يمنعه من التميز كما تميز في تلك الليلة؟".
|
|
سعى جمال إلى إيجاد حل لإنقاذ "عمر" من المشكلة التي قد تمنعه من مواصلة سيره وإنجازه. عزم على أن يجلس معه جلسة خاصة لينقذه مما اعتقده دوامة خلافات أسرية. التقى جمال بزميله محمد في العمل التربوي، وأخبره عن قصة "عمر" وكيف أنه يملك "دانة ثمينة" لا يريد أن تضيع من بين يديه، وأنه يفكر كثيرًا في أمره ويخاف عليه. سكت محمد قليلًا، ثم قال: "لا أظن الأمر كذلك يا جمال، وإنما الأمر زاوية قد أغفلتها ونسيتها يا أخي." تعجب جمال من ثقة محمد وجوابه، فقال محمد: "هل تعلم يا جمال عن الفروقات الفردية؟"أجابه: "نعم، هذا طويل وذاك قصير، وهذا أبيض والآخر أسمر." فضحك محمد وقال: "يا لك من رجل يا جمال! هذه فروقات خَلْقية، وماذا عن الفروقات المتعلقة بالقدرات والإمكانيات والمجالات والبيئات؟"
|
|
إن المتربين يختلفون، وبينهم فروقات كبيرة يجدر بك معرفتها. فمع أنهم اجتمعوا في محضنك، إلا أنهم خرجوا من بطون مختلفة، ونشأوا في بيئات متباينة، واختلفت طبائعهم، وتكونت لديهم دوافع وموانع مختلفة، وحدودهم أيضًا متفاوتة.
|
|
على المربي أن يتجرد من صورة واحدة للمتربي، لا يُدخل فيها إلا من طابق مقاساتها. بل يجب أن يُنشئ لكل متربي صورته الخاصة التي تناسب معطياته. فصاحب الذاكرة القوية والحفظ الشديد لا يُوسع عليه بالتكاليف العملية دون النظرية الذهنية، والذي أوتي قوة بدنية ولياقة عالية لا يُشَق عليه بالحفظ والفهم إذا كان لا يستطيع ذلك. يجب أن يُراعى كل متربي، ويُعطى بقدر استطاعته.
|
|
إني، يا جمال، لأُكرم المتربي الذي يأتي بنصف صفحة في اليوم، وأوبخ الآخر إذا لم يأتِ إلا بخمس صفحات. وهذا لا يتقنه إلا مربي حاذق وحكيم مثلك يا جمال. فقِس على هذا، يا أخي، في جميع الجوانب، وستتضح لك الصورة.
|
|
مشكلة المربين اليوم هي عدم الرغبة في البحث عن نقاط القوة لدى المتربين والعمل عليها، وتقوية جوانب الضعف. بل يفضلون المتربي الناضج المستعد.
|
|
إن الألماس من أندر الأحجار وأثمنها، ويتميز بما يحمله من مكونات فريدة. لكن الباحث عنه يكلفه ذلك جهدًا كبيرًا في التنقيب والتحري. ومع ذلك، يزول هذا الجهد عندما يحصل على أول قطعة منه. فكر كيف يكون المربي في أول الأمر منقبًا ومنقحًا ومطورًا ومُخرجًا لهذا المتربي.
|
|
فهل يصبر على ذلك إلا مخلص وصادق؟ وأنا أحسبك كذلك يا جمال.
|
|
على المربي أن ينوع مجالات التميز بقدر ما تتنوع مجالات الاختلاف لدى المتربين. وهذا يزيد المحضن تميزًا وسموًا. بل لا تخجل أن تُهدي المتربي جائزة لأنه حضر نشاطًا أو أنشأ علاقة. من قال إن التكريم والتحفيز لا يكونان إلا إذا حفظ 100 حديث أو راجع 30 صفحة؟ قد يكون ذلك مؤشرًا للاستحقاق عند فلان وفلان، لكنه ليس على الجميع.
|
|
إن ربط التميز بالأعداد يقتل الجهود في مهدها.
|
|
وهذه هي الجهة التي أغفلتها يا أخي، وإني لأعلم أنك تعرفها، وأن كلامي ليس عليك بجديد."
|
|
قال جمال: "جزاك الله عني كل خير يا أخي، أفدتَ وأجدتَ، لا عدمتك من رفيق يا محمد."
|
|
التعليقات