يوميات نعيمة - العدد #4 |
29 سبتمبر 2025 • بواسطة Naima • #العدد 4 • عرض في المتصفح |
لا شيء يحدث صدفة حتى الموت...
|
|
![]() |
فيما كنت أبحث بين رفوف مكتبتي عن شيء مفقود، وقعت يدي على ديوان دانيال روح القطن للشاعرة فاطمة التيتون. وفي صفحته الأولى، بعد الغلاف مباشرة، وجدت إهداءً يقول: إلى العزيزة فضيلة الموسوي. من فوري التقطت صورة للإهداء وأرسلته إلى صديقتي الشاعرة فضيلة الموسوي. وتشاورنا كيف يمكن أن يصلها هذا الديوان الذي تأخر كثيرًا في الوصول إليها. |
احترنا قليلًا، ثم اقترحت فضيلة أن نلتقي في أحد المقاهي، فقد مضى زمن طويل منذ آخر لقاء لنا. وافقتها، وطلبت منها أن تمهلني أسبوعًا لأرتب أموري، ثم نحدد يومًا. |
مضى أكثر من أسبوع، ثم في لحظة حاسمة وجدتني اكتب :فضيلة، هل يناسبك الثلاثاء القادم، العاشرة والنصف؟ وعلى الفور أجابتني بالموافقة. |
فضيلة تلك التي ما إن أبصرها حتى تلوح في خاطري قصيدة جديدة؛ فضيلة التي تأتي دائمًا في كامل أناقتها، وفي سحر أحاديثها. بعد السلام، قلت لها: لا شيء يحدث صدفة. |
![]() |
اتسعت عيناها دهشة، ثم جلسنا طويلًا. وهذه المرة دار أغلب حديثنا عن الفقد وما يفعله بنا. حدّثتها عن أختي وصديقتي اللتين فقدتهما في أغسطس الماضي، وحدّثتني هي عن مشاعرها حين وفاة أبيها، وحين وفاة أمها، وكيف تعاملت مع الفقد. |
منذ رحيل أبي في فبراير 2024 وأنا أجد أن الفقد معرفة ورسالة في آن. ولا شيء يحدث صدفة حتى الموت. ومهما حاولت الكتابة، تبقى الكلمات عاجزة عن التعبير عن كل ما يجول في الداخل. فالكتابة ليست إلا أحد أشكال التحرر من ألم الفقد، إلى جانب وسائل أخرى دون شك. لكن الأهم ألا تبقى تلك المشاعر محبوسة فهي بحاجة إلى الانطلاق. |
أعرف حالات كثيرة ممن أغرقهم الحزن الشديد، وفقدوا القدرة على التسليم، فساروا وراء أحبائهم سريعًا إلى المقبرة. مؤلم وقاسٍ ألم الفقد، لكنه أيضًا رسالة قوية لنا لأن نغير شيئا في سلوكنا او معتقداتنا لنستطيع السير مع الحياة فهي ابدا لن تقف عند نقطة حزننا الشديد على الأحبة اللذين فقدناهم. |
الجلوس مع الأحبة هو بدوره معرفة. ففي ذاك اللقاء الذي جمعني بفضيلة، تبادلنا أغلب ما جال في خواطرنا، وما كان يثقل أرواحنا. الجلوس مع الأهل لا يشبه الجلوس مع الأصدقاء؛ فالأصدقاء يضيفون لك معرفة ورونقًا، ويمنحونك مساحات ثقة للبوح، لكأنك تُفرغ شيئًا من روحك حزنك وألمك. وهذا التفريغ الذي في حد ذاته يسهم في شفائك ويحررك. |
شكرًا لتلك الصدفة، التي لم تكن ابدا صدفة ، بل فرصة ورسالة كتبها الله لك. |
التعليقات