يوميات نعيمة - العدد #1

1 سبتمبر 2025 بواسطة Naima #العدد 3 عرض في المتصفح
بروين نصر الله

مساء كل جمعة، كانت قدماي تقوداني إلى فريق حالة بوماهر في المحرق. أركن سيارتي بعيدًا أمام مسجد الإيمان، فلا مجال للتوغل أكثر بالسيارة. أدخل زقاقًا ضيقًا يقودني إلى بيتها؛ بيت صغير متشابك مع بيوت أخرى كثيرة. هناك، أجد متعتي في أحاديثها التي تعرف دائمًا كيف تبدأ، ولا تعرف كيف تنتهي. كلما هممت بالمغادرة، تستحثني على البقاء، حتى يتأخر الوقت، فترافقني إلى الباب بابتسامتها المعهودة.

كانت بروين بالنسبة لي موسوعة من الحكايات: أخبار اجتماعية، ثقافية، وسياسية. خبرتها الصحافة بعلاقات واسعة، لكنها تميل إلى الوحدة، خصوصًا في السنوات الأخيرة بسبب وضعها الصحي. ومع ذلك، فإن لحظات حضورها لا تُشبه شيئًا آخر؛ أحاديثها تتدفق بعفوية حول الصحافة، قصص الناس، وتجاربها الطويلة في المهنة.

في فترة ابتعدنا فيها عن التواصل، بحثت عنها طويلًا حتى دلّتني الناشطة هدى المحمود على رقمها. ومنذ ذلك الحين عدنا نتبادل الرسائل، وكان "الواتساب" جسرنا الدائم.

من بيتها في فريق الحالة، إلى قلالي، ثم إلى الحد حيث تسكن اليوم؛ تغيرت البيوت، لكن بروين بقيت كما هي: بنفس الحميمية، بنفس العطاء. ورغم انشغالات الحياة، لم أنتبه لتوقف رسائلها حتى عدت مؤخرًا من مشهد. أرسلت لها مقالًا عن رحلتي، ومضت أيام بلا رد. حين كتبت لها: أين أنتِ يا بروين؟، فوجئت أن الرد جاءني من ابنة أختها: بروين ترقد في المستشفى.

أفتقدها اليوم بشدة، وأفتقد أحاديثها التي لا تنضب. تحضرني صورتها وهي تدخل مبنى الجريدة في موقعها القديم: بقامتها الطويلة، كأن الحياة تدب فجأة في أروقة الصحيفة الصامتة. كانت تملأ المكان حيوية، تحاور هذا الزميل أو ذاك، قبل أن تنكب على مكتبها وتكتب الأخبار بخط اليد على الورق المطفي الغير  مسطر.

عملت بروين في تغطية أخبار المحاكم والتحقيقات، وكانت عضوة في لجنة الأحوال الشخصية. اشتغلت في وكالة أنباء الخليج ثم انتقلت إلى أخبار الخليج. ومع انتقال الجريدة إلى الرفاع، وجدت المشوار شاقًا، فاختارت التقاعد المبكر.

ما يدهشني فيها دائمًا قدرتها الفائقة على السرد؛ حكاياتها عميقة ومتدفقة، ممتزجة بصدق وشجاعة نادرين. قد يختلف معها البعض بسبب صراحتها، لكنهم لا يختلفون على قلبها الطيب ومواقفها الإنسانية الفريدة.

ملاحظة: كتب هذا المقال قبل ان تتوفى الصديقة العزيزة بروين نصر الله.

مشاركة
يوميات نعيمة

يوميات نعيمة

يوميات اعيشها واكتب عنها تشمل القصص والحكايات.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من يوميات نعيمة