سَعة |
بواسطة بهجة • #العدد 23 • عرض في المتصفح |
|
صديقي، |
هل تعرف شعور الركض و أنت ساكن في مكانك بلا حراك؟ |
بدنك لا يتحرك فعلياً ، أطرافك ثابتة بل تبدوا و كأنك لبثت مع أصحاب الكهف و لكن في الحقيقة هناك إعصار غير مرئي حولك |
إعصار سرعته غير قابلة للقياس و عمقه يمتد لنهاية عمق روحك المتعبة. |
يأخذك يمنة و يسرة، مرة إلى ماضيك بكل ما فيه من حزن و ندم فترجوا تغيير السيناريو القديم بكلمات مثل " لو أن!" |
و مرة يجعلك تهاب مستقبلك، بكل مشاعر التوتر و القلق و التأهب للسيناريوهات السيئة الممكنة. |
إعصار لا يبقي و لا يذر .. و أنت هنا في مكانك لا تحرّك ساكناً. |
هل قلت ساكناً؟ |
بودي
لو أعتنق السكون، أن تهدأ نفسي، ان يتوقف هذا الدوران في عقلي وهذا التعب في روحي. |
أن أرى أمامي فأرى فعلاً و ألاحظ الأشياء بأبعادها الجميلة و تفاصيلها المدهشة و أتأمل كل شيء حولي بهدوء كما لو أنها المرة الأولى! |
نعم .. أن أهدأ، فلا أعطي الأمور أكبر من حجمها فيزادا وقعها على نفسي فتمنعني من رؤية الحياة، الجمال ، اللطف ، والحب الوافر في هذا العالم.. |
نعم
.. أن أُحب، بلا خوف ولا ندم على ما حدث أو سيحدث. |
لذلك، سأبدأ هذه الرحلة و سأعلن الحرب على عدوي اللدود الأول ! |
كيف يمكن أن يسلبني حياتي أمام ناظري؟ فأصبحت أعيش يومي لمجرد العيش و كأنني مكبلة لأستطيع الحراك. |
كيف
يمكنه أن يقيدني و يسلبني الشعور الخالص بالفرح ، البهجة و الدهشة لكل شيء! |
جسد بلا روح! |
عينان بلا رؤية! |
عقل و لكن بلا تركيز .. |
ولأبدأ المواجهة و التحدي مع عدوي، يجب علي أن أعرف من هو؟ ماذا يريد؟ و كيف يمكنني أن أغلبه ؟ |
تعال معي نتعرف على عدونا.. |
" قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ " |
مترصداً
و مهدداً .. " لأقعدنّ لهم" و " لأتينّهم" |
فمالغرض من هذا التهديد الذي أفنى عمره له؟ |
لحظة تفكّر و تأمل كيف أننا في حرب دائمة مع الشيطان وأن انتصاره أننا لانكون شاكرين! |
ماذا
يحدث ان لم نشكر؟ |
كل هذا الجهد حتى يُشغلك
في دائرة همّك ( الهم من المستقبل القريب أو البعيد) |
ثم يأتي ليُسِرُّ
إليك بفكرة تُحزنك ( الحزن من الماضي القريب أو البعيد ) |
مالحل اذاً؟ كيف نقاوم هذا العدو الذي جعل من حياته هدفاً ليحزننا و يشتتنا؟ |
· الشكر |
كُن
شاكراً لله ، حامداً له على كل نعمة أصبحت و أمسيت عليها، |
فإن
لم تكن في شكر فأنت في رهبة و ترقب متوجساً خيفة و كأنك قد وليت أمرك |
إن
لم تكن في شكر فأنت بالتأكيد لاتُسلم وجهك لله و قلبك لايتيقن من أن تدبير الله
وحكمته أشمل و أوسع من تدبيره لنفسه |
صديقي ، و
أنت تسعى في هذه الأرض .. لاتجعل للشيطان عليك مرصداً .. |
لأنك
هززت التخلة و أنّ رطبها الاَن بين يديك و لا عليك إلا ان تقرّ به عيناً.. |
فأدِّ شكرها باستتخدامها في سبيل الله و مايرضيه، اعمل بها كأدوات تحسن بها عبادة الله و تدعوا إليه.. |
· الاستسلام لله |
كن مسلّماً وجهك و أمرك لله لما حدث و سيحدث في حياتك.. |
" بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " |
من هم الذي لاخوف عليهم ولايحزنون؟ |
هم الذين تجدهم في حالة شكر دائم لما حدث و لما سيحدث، مسلّمين تدبيرهم لخالقهم "المقيت" ،الذي يعلم وهم لايعلمون. |
يشكرونه و يحمدونه ، فكلّما
سألتهم عن حالهم تجدهم في حالة عميقة من الامتنان |
و أن رزقهم مكتوب قبل أن يأتوا إلى هذه الدنيا، فلا خوف مما سيأتي و لا حسرة على ما ذهب .. |
" فانقلبوا بنعمة من الله
و فضل لم يمسسهم سوء ، واتبعوا رضوان الله و الله ذو الفضل العظيم , |
· ثق بسعة الله |
حين تتذكر بأن عين الله ترقبك و رحمته تشملك، تشعر أنّ لك جيش ، جُند و عواصم بأكملها تقف في صفّك تتوسد قلبك الطمأنينة و تُدفئ روحك السكينة. |
لكن الشيطان يزعجه هذا الأمان فكل ما شعر أنك وجدت سبيل الطمأنينة جمع كيده ليخوفك من الفقر. |
الفقر؟ القلّة من الوقت والمال و السعادة والحب و حتى الراحة! |
يبث لك أفكار بأنك يجب أن تكون منتيهاً و متهيئاً للنقص الذي ستواجهه في يومك و مستقبلك! |
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) |
ثق بوعد الواسع و أخلف وعد الشيطان ، ثق بوعد مالك الملك الذي يخبرك أن عنده المغفرة و الفضل و كل السعة! |
في كل صباح أحسن ظنك بالله و صدق وعده و تفائل بالخير القادم .. صدّق وعد الله ، و لتكن السعة خيارك الأول " عند ظن عبدي بي" |
أنا لا أقول اضمم يدك إلى جناحك و اجلس في قعر دارك ، أنا أقول هزّ جذع النخلة و اركض هذا مغتسل بارد و شراب و اضرب بعصاك البحر.. |
اعمل ، اسعى و شمّر لكن في خلال رحلة سيرك ردد " إن معي ربي سيهدين" و تذكر في
رحلتك جيداً "ما يمسكهن إلا الرحمن" |
نعم صديقي،
كلما شتت أمرك قلق المصير تذكّر "أوَ لم يروا إلى الطير فوقهم صفاتٍ و يقبضن ما يُمسكهن إلا الرحمن" |
ولن يستطيع قلبك أن يطمئن حتى يعرف من هو الله؟ |
تعرف على أسماء الله الحسنى و صفاته، حتى تقدر الله حق قدره ما استطعت إليه سبيلاً |
لن تؤمن و تسكن حتى تعرف بماذا تؤمن ! |
" هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادو إيماناً مع إيمانهم " |
صديقي، |
دُم في سَعة .. |
فاطمة الصايل |
التعليقات