صدر رحب- العدد #5

بواسطة عهد #العدد 5 عرض في المتصفح
إلى أي مدى صدرك رحب؟

كم مرة كنت في مجلس واختلف الجمع على نقطةٍ ما؟

 إن الاختلاف سمة فطرية، واعتقد فيما بعد تتنوع اختلافاتنا بناءً على قناعاتنا وما تشربناه من الثقافة وعادات المجتمع والدين. وعلى أننا نصدحُ دائمًا بأهمية تقبل الآراء المختلفة إلا أن الحديث سهل، فعادةً بعدما نأكل بعضنا في الجدالات، نتنفس ونردد -لكسر الجو المشحون وتهدئة العلاقات المتوترة- بأن "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع" .

في وضع "الرحـــابـــة"

في وضع "الرحـــابـــة"

نختلف لكن لا نتخلف.. حقًا؟

إن المنظور من انسانٍ لآخر يختلف، وقد يستحيل حتى أن يتطابق. اذكر يومًا كنت مع مجموعة نتناقش حول محاولات الصحف الورقية بالعودة زحفًا لسابق عهدها مجددًا، طارت بي افكاري عمّا اذا كنت سأحقق حلمي الذي اردته دومًا بأن يكون لي عامودًا واسمًا في صحيفة ما، ليقاطع بنات افكار صوت احداهن تقول: ما اجمل تمسيح الزجاج بورق الصحيفة.. تلّمع

ولا، لست اكتب هذا الموقف بتهكم، لكن اضحكني هذا الاختلاف والتوجهات. نعم للحياة ألوان واطياف والاختلاف حقيقة يُسلَّم لها لا رأيٌ يندد به. إلا أن تكرار وجوب تقبل تلك الأطياف قد يكون احيانًا كلام.. والكلام سهل. يذكرني هذا بالمقولة الشهيرة "اتفقوا العرب ألا يتفقوا"، فتخيل مجتمعًا تنبع منه هذه الفكرة!

وقبل أن امد اصابع الاتهام حرّي أن انظر لبقية الأصابع الموجة نحوي. لست شخصية ديمقراطية للغاية، قد يكون السبب نشأتي، حياتي،مجتمعي، أو ربما طفلي الداخلي -العذر الذي يتحجج به الناس الحديثة في لوّم العادات السيئة، بل التهرب منها- ولا، لا أود الانحراف عن قضيتي الأساسية هنا. فأنا بنفسي ورغم ضعف ديمقراطيتي إلا أنني ادرك اهمية الاختلاف، واعلم نفسي كل يوم، واهذبها في هذا النحو كما يهذب المعلم طالبه، والأم ابنها فنصف الحل إدراك المشكلة، وتطرحني نفسي واطرحها، وتصارعني واصارعها. واعتقد بل اؤمن أن هذا هو الفاصل، فأن تتعلم التقبل في كفة، وأن تستمر رغم ادراكك الحقيقة كفةٌ آخرى. والموضوع ليس عمّا اذا كنت أنت الصالح وهم الطالحين، عمّا اذا كنت المهدي وهم الضالين، بل إن المسألة هي أن التقبل يعني دحض الكراهية اولًا، ثم احترام الآدمي الذي امامك ثانيًا، ثم اخيرًا تتبلور امامك الأفكار بوضوحٍ وموضوعية فإن شئت سلّمت لها وإن شئت سلمتَ عليها ومضيت إلا أن المهم انك سمعتها وعرفتها قبل التهجم والاندفاعية. 

حق صون الكلمات

احيانًا كثيرة تكون الأشياء والأفكار المقابلة واضحة اصلًا دون الحاجة للجدال حولها أو سماعها، وقد تكون ايضًا منفره وغير مقبولة وربما حين سماعها تصبح مثلي، فتتدافع كرياتك الحمراء والبيضاء وحتى السوداء داخل عروقك بسرعةٍ فائقة، فتتزاحم كلماتك في الحنجرة، وتصوب عيناك بحدةٍ نحو الهدف، إلا أنك تدرك أن الكلام في هذا السياق ضائع، مهدر، مسرف، لا يستحق. للكلمات حقُ أن تصان، وبعض الأمور حقَ فيها أن يُسكت عنها.

"اميتوا الباطل بالسكوت عنه". 

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

وحتى بعض الأشخاص الحديث معه كالحديث مع حائطٍ لا يفهمُ ولا يعقل، وقد يكون كلامي هذا عبثيًا فتوجيه الأشخاص من حولنا واجبنا المجتمعي، إلا النفس احيانًا تمل. يذكرني هذا الكلام بمثلٍ شعبي قديم يقول "ينفخ في قربة مشقوقة" أي أن بعض المحاولات -احيانًا- تذهب سدًا والواجب فيها الترك وحفظ العقل واللسان. 

وعلى العموم، التقبل يكون حاجةً ماسة لتمضي قدمًا في حياتك، ولا يعقل أن تقف عند كل رأي وفكرةٍ معارضة لك. ولا يعقل ايضًا أن تظن الجميعَ مثلك ونشأوا نفس نشأتك وحملوا نفس العقيدة والأفكار والتوجهات. فما يكون في الحيلة إلا تهذيب النفس وادراك هذه الحقيقة، ثم التعايش والاستمرار. والأهم أن يكون صدرك رحب، برحابةٍ تسع الاختلافات وتضمها تحت وحدة القلب.

تعلموا الرحابةَ حتى نلتقي في خميسٍ آخر!🌷

كاتبتكم المعهودة: عهد.

مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد