شجرة الريحان - العدد #4

نسكن في بيتنا هذا عدة سنوات، وعلى مدار هذه السنين الطويلة، الماطرة، الجافة بقيت شجرة الريحان في الخارج صامدة. زرعها ابي منذ انتقالنا. وحقيقةً بكل ما في من مشاعر..

اكره شجرة الريحان.

على رغم حرص والدي على سقيها في ايام الصيف الحارقة إلا انها توحي دائمًا باليباس كأنها لا ترتوي ابدًا. ثم حتى في نموها قبيحة، لا تنمو كشجرة عادية بل كقنبلةٍ انفجرت في بذرتها، مترامية الأغصان والأطراف. تشعرني انها غاضبة عبر لونها  الباهت واغصانها الحادة. ولا يكفيها قبحها بل انها شجرة طاغية تجرح السيارات امام الباب، وتغبّر العابرين اثناء المرور، في تلك الأثناء يدور حولها النحل.. إي نحلةٍ تعبانة تظن قلب الرياض بستان فسيح؟

هل حان وقت الاقتلاع؟

وعلى الرغم من مشاطرة إخوتي هذه المشاعر، في كل مرةٍ تطغى نقصها، إلا انها جذورها العريقة متشبثةٌ في الأرض، اخشى يومًا أن نحاول اقتلاعها فتنسحب من تحت بيتنا كمثل سجادٍ ينسحب من تحت طاولة، ثم نموت في النهاية ويكتب في خانة الموت: محاولات احمق في اقتلاع شجرة الريحان. 

ولا اجهل ذكر الله عز وجل الريحان في كتابهِ الكريم إلا انني بسابق عشرَةٍ ومعرفة، اعلم انها ليست كأي شجرةٍ عرفتها في حياتي. 

وفي سجَات الليالي افكر ماذا لو كانت شجرة الريحان هذه رمزَ شبابي؟ وتمثيلَ بقية عمري؟واستعيذ من الشيطان وهفواته، وضعف نفسي وبأسها. 

لم تكن هذه الشجرةُ محضَ صدفةٍ. ولو انني بدلتُ زاوية المنظور لرأيتُ قطة الشارع الصغيرة وهي تستظلُ بها، تحت اشواكها ونحلها، ولرأيتُ والدي وهو يسقيها بشغف رغم أن لا ثمرَ لها وفائدة ترجى. إلا انه برغم هذه الفوائد القليلة لازال قرار القلعِ دائمًا مطروح.

محاولة تلميع الصور محاولة بالية، ما لا يصلُح ويتصلح ويفيد وجب اقتلاعه.. ليست قسوة بل إدراك!

هل سألت نفسك كم من الأشياء التي تستوجب الإبعاد كشجرة الريحان خاصتي لكنك بسابق اصرار تبقيها؟ بدافعٍ ممزوجٍ بين الخوف والحب؟ تخاف أن ألا تستيطع، وتحبُ بحماقةٍ بلهاء؟ حرّي بي قلعها يومًا، وحرّي بك أن تقتلع جذورك من ارضٍ جدباء، لا تنبتُ فيها ولا تزهر. 

قرارات مترددة

إن اتخاذ القرارات الصعبة مهمة مكروهه صعبة، فبقدر صعوبة اتخاذها تزيد اهميتها أو تنقص. إن القرارات وجدت لتذلل الطريق امامنا وتعبده. ولا تستطيع أن تعيش رماديًا حتى لو اردت، فالحياةُ لا تحتمل البقاء في المنتصف والتلاشي في منطقة الحياد، إما هذا او ذاك، إما الرحيل أو البقاء. 

اتذكر دومًا مطلع قصيدة (اختاري) قائلًا فيها:  

فبعيدًا عن الحب هنا، لا يوجد منطقةٌ وسطى، ولا يوجد دربٌ هادئ ستجد نفسك فيه بلا مهمة تستوجب القرار. إن الحياةَ بسرعتها طويلة، وتقبل حقيقة انك ستصيب وتخطئ في قراراتك يهون عليك المسافات. وبكامل ايماننا نقول ( امر المسلم كل خيره).

عسى أن تكون حياتنا اجمل من شجرة الريحان تلك، عسى أن تكون شجرةً طيبة، مثمرة، تظلنا في ظلها برفقة من نحب على ما نحب.

إلى اللقاء في خميس آخر🌷

كاتبتكم المعهودة: عهد.