صِقَاره- العدد #31 |
بواسطة عهد • #العدد 31 • عرض في المتصفح |
خميس سعيد تثيره هواجيسي(:
|
|
دائمًا أتغنى بعلاقاتي المختلفة ودائرتي الشخصية المميزة، ومن ثم لاحظت أن أغلب علاقاتي -إن لم يكن جميعها- تشبهني، وكل شخصٍ بطريقة أو أخرى يلمس جانبًا مني مختلف.. أليس لكل حبيبٍ مقال في النهاية؟ |
أصالة الأفكار |
ما أثار هذا التأمل هو العلاقات الجديدة في حياتي والتي أيضًا وجدتها تشبهني؛ مما لفتني -ولفت شيطاني- عن هذا التشابه الدائم، هل فعلًا اتشابه بجزءٍ ما مع كل من أعرف؟ أم أن العلاقات من حولنا تفرض علينا التأقلم، والتلون بالألوان الموجودة والخيارات المطروحة؟ |
لم يُثار هذا الهاجس على حين غرة، بل حديثٍ عابر مع زميلة المكتب وهي تخبرني عن أخوها المتزوج من أوروبية، ومع جل احترامي وتقديري ناقشتها أنني من الجماعة التي لا تؤيد هذه الزيجات قطعًا؛ فالفروقات الثقافية والدينية والمجتمعية قد لا يصمد الحب أمامها. وأخذ رأيي هذا يدور معي عدة ليالِ، فلو أن شخصيتي المراهقة سمعتني لربما قهقهت ووصفتني بالجاهلة، أو ربما اشتطت غضبًا ونعتتني بالرجعية! فمنظوري القديم يؤمن أن الحب يذلل العقبات، ولا يعرف الخواجة من غيره، بل أنه نقيٌ، وصافي، وعذب! |
ما أثار حفظيتي وذكرني بنفسي القديمة هو مدى تشابه رأيي مع محيطي، محيطي الذي يرفض هذا النوع من الارتباط جملةً وتفصيلًا. فاخذت أفكر، هل ارائي ككل نتيجةً لنضوجي وتجربتي الحياتية ونظرتي المستقبلية؟ أم أنها في باطنها تقبل -ونسخ لاواعي- لما كبرت عليه؟ |
بلا شك -شئنا أم أبينا- فإن لمجتمعاتنا علينا التأثير الأكبر، وفي عمق أعماقنا نتأصل بتربتنا ونسيجنا المحيط بنا، سبقنا الأولين قائلين «الظفر ما يطلع من اللحم» إشارة صريحة مهما بعدنا وتغيرنا فجزءٌ منا يحمل اعتقادات المجتمع معه إيجابية كانت أم سلبية. وهذا ما يفسر الخِفة التي تعترينا عندما نسافر عن حدودنا لمدينة أخرى ودولةٍ ثانية، ربما تشعر أنفسنا بالحرية من عادات المجتمع، وتحررها من الامتثال للتوقعات المطلوبة، لكن سرعان ما يجتاحنا الحنين لكل ما تركنا خلفنا. هذا الحنين هو الفقرة الفاصلة بين تجربتنا لنكون أنفسنا ونختبر أصالتنا ومتانة مبادئنا، وبين وجودنا كجزء لا ينفصل عن مجتمعنا. هذه الامتحانات الشعورية تضع الانسان أمام كافة اقنعته، وتعلمه عن أصل فكرته. ولا يشترط الحنين والسفر لتختبر صدقك، بل أن المواقف الحياتية وطريقة تصرفك معها تخبرك عن ماهيتك. |
كأن تجلس مع الضيوف ولا شعوريًا تكرمهم وهنا عادة-عساها ما تنقطع- من محيطك اكتسبتها، أو تقديمك لسيدة في صف الانتظار، أو مساعدتك لكبير سن في عبور الشارع.. جميعها عادات تناقلناها، لكن ما هو أساسها في نفسك؟ هل أكرم الضيف لأن والداي سبقوني بالمجد، أم أن الكرم سمات العرب الأصيلة ومن اللؤم تركها؟ أو ببساطة جميع ما سبق؟ |
تفكرك بمعتقداتك وعاداتك يخبرك عن مدى أصالتها، وأعتقد من حق الانسان على نفسه أن يتسائل حول جذور تصرفاته مع نفسه والآخرين. |
تشابه ولا تسخير؟ |
فهمي لموضوع أصالة أفكاري في كفة، وسر تشابهي مع من حولي لا يزال لغزًا يحيرني في كفة أخرى، يدفعني للتفكر ليس عن علاقاتي ولكن عن مدى كوني صادقة مع نفسي لأكون أنا بلا التصبغ بالصبغة المجتمعية للتأقلم، وقد تقول في نفسك ما الخلل في التأقلم؟ ليس الخلل فيه، بل هي مسألة صدقٍ مع الذات التي تحب أن تجاور/ترافق من تسعد برفقته، سواء شابهته أم لا، والتقبل الحقيقي لاختلافات الآخرين.. وكون الانسان نفسه في وجوده مع الآخرين نعمة توجب الشكر. |
لكن من منظورٍ أوسع أجبت لغزي جوابًا يؤرق مضجع شيطاني. استهليت النشرة بقولي «لكل حبيبٍ مقال» ولعلي أجبت نفسي دون العلم. تشابهي مع الآخرين ليس مثلما أوصفه، بل أنه ذكاء اجتماعي، لأن نقيضه والتعاكس مع الآخرين باستمرار يدل على خللٍ في التأقلم، وبعبارةٍ أخرى هي صِقَاره أن تعرف كيف تتعامل مع من أمامك بما يحفظ الود والاحترام مهما كان الحوار. وعلى قدر المحبة والمعرفة على قدر ما كنت نفسك. فجلستك في صدر مجلس عائلتك يخرج منك ما لا يخرجه جلوسك في مكانٍ آخر.. الفكرة ليست تشابه ولكن كيف تتصرف مع دوائر علاقاتك. |
ختامًا التشابه مع الآخرين ونسخهم يظل موضوعًا مؤرقًا لمن يعتز بأصالته، ويظل حساسًا وقد تنزلق فيه بلا شعور، لكن يبقى المبدأ الدائم قوله صلّ الله عليه وسلم «سددوا وقاربوا». فلا تفرط في الموافقة الدائمة مع الآخرين، ولا تكن من يعاكس دومًا التيار بدافع التعجل والغباء. |
إلى اللقاء في نشرة أخرى. |
كاتبتكم المعهودة التي تتمنى أن تليق بلقب *الصَقّاره* يومًا ما: عهد🌷 |
التعليقات