نشرة عاطف أبوشعفه البريدية - العدد #7

19 يناير 2025 بواسطة عاطف أبوشعفه #العدد 7 عرض في المتصفح
النمو ليس بهدف . مقروءات تم إعادة نشرها للتوعية

النمو ليس بهدف

يكتسب مفهوم النمو في ظل العولمة التي تجتاح العالم أهمية

إضافية، حيث إن عقليتنا تتغذى اليوم بمفاهيم أجنبية كثيرة تجافي

روح ثقافتنا الإسلامية الأصيلة. وقد أضحى مفهوم اكتساب المزيد

من القوة والسيطرة وتكديس المزيد من الأموال من أهم المفاهيم

الجذابة في العصر الحديث وأكثرها تأثيراً في توجيه السلوك

والعلاقات الإنسانية إن الغرب الذي يعد المحرك الرئيس للعولمة

والمستفيد الأساسي منها لا يمتلك أي أهداف حقيقية تتجاوز

الحياة الدنيا؛ ولذا فإنه قد اعتمد (النمو) في كل الاتجاهات وكل

المجالات بوصفه الهدف الأسمى والأكثر جاذبية وتألقاً.

وقد كان مفهوم النمو في العقلية الغربية يشمل التنمية الروحية

والأخلاقية والمادية وقد قلّصه الغرب ليدل على التنمية المادية

فحسب. وبما أن النفس لا تشبع من جمع الأموال وامتلاك

الأشياء، وبما أن المال في الأصل محدود، فقد نشبت منافسة

أممية ومحلية ضارية على امتلاك أسباب الثروة ومصادرها.الآن

ويجري من خلال تلك المنافسة نشر أشكال هائلة

والتخريب، فالمصادر الأولية غير القابلة للتجدد تُستنفد من

الفساد بسرعة والبيئة تلوّث، والظلم وأكل الحقوق في تزايد مستمر، وأمراض أخلاقية مثل الكذب والرشوة تستفحل، وأكل الربا والمتاجرة بجسد المرأة والخروج على القوانين المرعية في تصاعد. وقد أضحى كثير من الناس فعلاً يقومون بأعمال لا يقوم بها الحيوان

الذي يتهم دائماً بالانحطاط. إن الحيوان لا يصاب بالتخمة، كما

شأن الإنسان، كما أن المفترس منه لا يفترس أكثر من حاجته،

على حين أننا نرى كثيراً من الناس يمارس التضييق والتجويع ضد

مئات الناس ممن يعملون لديه من أجل زيادة درجة رفاهيته، أو

رفع أرقام أرصدته ! هو

إن الرؤية الإسلامية في هذا الشأن شديدة الوضوح والتألق،

كما أنها عظيمة الرفعة والسمو ؛ إنها تنظر إلى النمو على أنه لا

يصلح أن يكون غاية نهائية، بل ينبغي أن يكون طريقاً للوصول

إلى أهداف مشروعة، كما أن المال - على وجه الخصوص -

أداة لتبادل المنافع وقضاء الحاجات وكسب رضوان الله

- تعالى -. وفي الكتاب والسنة الكثير من النصوص التي تحذر

الناس من الركون إلى الدنيا واستهداف الاستمتاع بها،

وتحويل امتلاك المال إلى هدف نهائي يقول الله - جل وعلا :

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرُ فِي

الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْب أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثم يكون حطامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحياة الدُّنْيَا إِلَّا متاع الغُرُورِ ) (۱)

وفي حديث الشيخين :

جلس رسول الله على المنبر وجلسنا حوله، فقال: «إن مما

أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها .

وفي حديث الترمذي : إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال». وفي

حديث الترمذي أيضاً: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها

من حرص المرء على المال والشرف لدينه». وفي حديث مسلم :

قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً وقنّعه الله بما آتاه .

نشاهد

حين يكون النمو هو المنتج الطبيعي لتأدية الأشياء بطريقة

صحيحة فإنه يكون خيراً وبركة على صاحبه وعلى المجتمع

المسلم، وسيلقى صاحبه المعونة من الله - تعالى - على توظيف

ما كسبه وعلى إنفاقه فى طرق مشروعة على ما هو الغالب فيما

من أحوال الناس؛ ولكن حين يصبح النمو نفسه هدفاً فإنه

يتحول إلى محرّض على رسم الأهداف المستحيلة وسلوك السبل

الشائنة، إنه آنذاك يعبر عن شهوة مستعرة أكثر

يعبر عن شهوة مستعرة أكثر من أن يعبر عن أي

شيء آخر .

إن الإسلام لا يريد من المسلمين أن يكونوا فقراء يعانون من

ويلات الجدب وضيق ذات اليد لكنه يريد من الواحد منهم

يجعل امتلاك المال جزءاً من عتاده للاستقامة والصلاح والفوز

بالجنة، كما في قوله - عليه الصلاة والسلام -: «نعم المال

الصالح للرجل الصالح». وهذا في الحقيقة أكبر ضامن لجعل

المسلم يتحرز من اكتساب المال من طرق غير مشروعة، وأكبر

أن

ضامن كذلك لجعله يتحرّى المواضع والمجالات التي ينفق فيها

ماله. إن المسلم الذي يكتسب المال من أجل إعفاف أسرته

وصلة رحمه والإنفاق في سبيل الله - تعالى - وتشغيل إخوانه

المسلمين في الوظائف التي يوفرها المال ـ يجد دائماً الروادع

التي تردعه عن سلوك السبل غير المشروعة للحصول على

المال. إنني أعرف أن السباحة ضد التيار الجارف ليست بالأمر

اليسير، ولا يقوى عليها كل الناس لكن أعتقد أن إغناء حياتنا

بالأنشطة الروحية والدعوية والأدبية والإنسانية سوف يخفف من

الطلب على المال، وقد دلت بعض الدراسات أنه كلما ارتقى

المستوى المعرفي والعقلي للإنسان قل إقباله على الزخارف

والكماليات، وضعفت شهيته نحو استهلاك الأشياء، والعكس

صحيح. فإذا أردنا فعلاً أن نحاصر الكثير من الشر الذي ولده

استهداف النمو، فلنبدع في إيجاد الأطر التي تساعد الناس على

إغناء حياتهم بالأنشطة التي لا تستهدف الحصول على المال،

ولا تحتاج إليه .

مشاركة
نشرة عاطف أبوشعفه البريدية

نشرة عاطف أبوشعفه البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة عاطف أبوشعفه البريدية