نشرة عاطف أبوشعفه البريدية - العدد #5 |
18 يناير 2025 • بواسطة عاطف أبوشعفه • #العدد 5 • عرض في المتصفح |
إعادة تحرير الإنسان..مقروءات يتم إعادة نشرها للفائدة والتوعية
|
|
تعلمنا من أخبار الأمم السابقة وتجاربها أن الإنسان يملك |
طاقات هائلة، وهو بتلك الطاقات يصنع التاريخ، لكنه وهو يفعل |
ذلك كثيراً ما يفقد السمات الأساسية التي تميزه عن الحيوان وعن |
الأشياء من حوله، فيفقد حريته وتحرره، ويفقد اتجاهه، ويصبح |
مستعبداً للأشياء التي صنعها بيديه. |
إن الدين الذي أكرمنا الله - تعالى - به جاء مكملاً لرسالات |
الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ومحيياً ومجدداً للمعاني التي |
اندرست بفعل طول الأمد وتطاول العهد، ومصححاً للمفاهيم |
التي حرّفها أتباع تلك الرسالات ومن خلال تصحيح المفاهيم |
وإحياء المعاني يتم تحرير الإنسان من جديد، الإنسان الحر |
الكريم العابد المتراحم الذي يعمر الأرض، ويحارب الفساد |
والطغيان الإنسان الذي يتخذ من الفوز برضوان الله - تعالى . |
والنجاة في الآخرة الهدف الأسمى الذي يكيف كل حياته في |
سبيل الوصول إليه. وقد علمتنا النصوص ودلائل أيام الله في |
الأمم الغابرة أن الإنسان مثل الطائر يهوي نحو الأرض إذا توقف |
جناحاه عن الحركة وجناح المسلم وأدواته في التقدم نحو |
الإسلام ونحو المقام الذي يليق به تتمثل في التحرير المستمر |
للمفاهيم التي تستولي عليه وتوجه حركته اليومية، كما تتمثل |
تجديد روحه وعزيمته في مقاومة الأهواء والشهوات |
والمصالح الآنية الضيقة. |
الجاهلية بوصفها روحاً ومفاهيم تظل تطرق الأبواب في كل |
مكان من العالم الإسلامي؛ لتملأ البيوت التي تفتح أبوابها لها |
بالوثنية وعبادة المادة والجور والفساد والانتصار للجسد على |
الروح، والقوة على الرحمة والوسيلة على المبدأ، والدنيا على |
الآخرة. والعولمة اليوم تسوّق لكل مرتكزات الجاهلية القديمة |
ولكل مفاهيمها وأساليبها حيث تحاول إعادة ترتيب أوضاع |
البشرية من جديد على حساب النموذج الذي قدمه الرسل |
- عليهم الصلاة والسلام - فهي تنشر مفاهيم حب المال والمتعة |
واللهو والشكلية والمظهرية والفردية والحرص على المكاسب |
العاجلة. كما أنها تمجد التسلط والشهرة والجاذبية الشخصية |
والنجاح والتحرر والانطلاق من القيود الأخلاقية. ولو أننا عمقنا |
النظر في هذه المفاهيم لوجدنا أنها تساعد على تكوين إنسان |
دنيوي أناني من الطراز الأول. وهذا يصادم على نحو مباشر كل |
المفاهيم التي تشكل البنية العميقة للشخصية الإسلامية. |
إذا استطاعت العولمة النفاذ إلى جوهر التشكيل العقلي والنفسي |
للإنسان المسلم وتوجيه سلوكه بما تبثّه من دعاية، وبما تنشئه من |
ظروف ووضعيات، فإن كثيراً من جهودنا التعليمية والتربوية |
والدعوية سيكون أشبه بترصيع الذهب على معدن صدىء متآكل ! |
إن العالم بأجمعه يشعر بالمشكلات الإنسانية الهائلة التي |
تثيرها العولمة، ولكنه لا يملك المرجعية الفكرية والروحية كما |
لا يملك الأدوات التربوية والتوجيهية التي تمكنه من مجابهة |
العولمة .وأمة الإسلام هي |
الأخرى لا تملك كثيراً مما تحتاجه في |
مقاومة العولمة، لكنها تملك عقيدة صافية ومبادىء وأسساً |
صالحة لتشكيل نموذج نظري للإنسان المعاصر الذي ينسجم مع |
الفطرة التي فطر الله الناس عليها وينسجم مع الوضعية العامة |
للوجود ومع قوانين الحياة، كما يحقق ذاته ومصالحه الخاصة ة في |
إطار المصلحة العامة للمجتمع، لكن علينا إلى جانب هذا أن |
نقول : إن النموذج الأمثل الذي نتخيله للإنسان السوي المحرَّر |
والمعاصر ليس جاهزاً بين أيدينا، نقدمه للعالم على طبق من |
فضة. إن لدينا أسساً ومفاهيم وملامح تحتاج إلى سكب متقن في |
قوالب خطابية وتوجيهية وتربوية جديدة. وهذا يقتضي فهماً جيداً |
لما يجول في أذهان الناس، ولما يعتلج في نفوسهم، وليس هذا |
بالأمر السهل، لكن ليس لدينا أي طريق آخر . |
التعليقات