نشرة عاطف أبوشعفه البريدية - العدد #4

17 يناير 2025 بواسطة عاطف أبوشعفه #العدد 4 عرض في المتصفح
شواهد التحضر بمقاصدها. مقروءات نعيد نشرها للفائدة

إن المسلم مطالب بأن يملك الرؤية الأصيلة للإنجازات الحضارية أينما كانت وكيفما كانت . والرؤية الأصيلة هي الرؤية

الشرعية المرتبطة دائماً بالحق والعدل والاتزان والمرتبطة بنظرة

الإسلام إلى الحياة الدنيا، ولا سيما ما يتعلق بالرفاهية والتوسع

في النعيم. وتكتسب هذه الرؤية اليوم حيوية خاصة، حيث

اختلطت الأمور على كثير من الناس إذ باتوا شبه مجردين من

الحساسية نحو تقليد الآخرين مهما كانت درجة انحرافهم .

حتى تكون عقليتنا إسلامية فإن علينا أن نربط الإنجازات

الحضارية بدلالاتها العميقة وبمقاصدها وبالظروف التي اكتنفتها .

وهنا أود أن أذكر على سبيل المثال بعض الشواهد الحضارية في

الأندلس من أجل توضيح الصورة. إن التقدم العمراني المذهل

الذي حدث في الأندلس أيام الحكم الإسلامي يدل على أن

المسلمين هناك كانوا يمتلكون الكثير من المعارف والخبرات

المتقدمة بالنسبة إلى ما كان موجوداً في محيطهم؛ وهذا ليس

موضع جدال ولكن هل كل تقدم عمراني يعد تمدناً وتحضراً،

أم لا بد من البحث عن دلالات أخرى أكثر شفافية وأكثر التصاقاً

بالرؤية الحضارية الإسلامية؟

إن القرآن الكريم يعلمنا أنه ليس هناك أمة هلكت بسبب

قصور في العمران، وإنما بسبب استدبار رسالات الأنبياء ـ عليهم

الصلاة والسلام .. وبناء الأبنية العظيمة في الأندلس قد تجاوز

حدود الخيال بسبب الأموال الهائلة التي أنفقت فيها، وقد كان

ذلك مصادماً للبنية العميقة للتدين الحق ومخالفاً لكل الأدبيات

التي تهوّن من شأن الدنيا، وترغب في الآخرة. ولنا أن نسأل عن

أعداد الفقراء الذين تم اقتطاع تكاليف أشكال الرفاهية من قوتهم

اليومي ومن حصتهم من ناتج البلاد الأندلسية وخيراتها؟!

لا

ريب

أن أعداداً ضخمة من الناس كانت تشعر بالظلم

والجور. وهذا من عوامل تفكيك المجتمع وذهاب الريح

وتعجيل السقوط. وإذا نظرنا إلى السياق الذي تمت فيه تلك

المنجزات العمرانية والمقاصد والدوافع التي كانت خلفها

وأمامها، وجدنا أنها تمت في سياق التنافس في إثبات الذات

والغلبة على النظراء وسياق الاستمتاع والترفه والتفاخر والتكاثر .

وهذه المعاني حين توجه سلوك شخص أو أمة، فإنها تدل بصورة

واضحة على هزيمة الروح وجفاف المنابع الداخلية للسعادة

الحقيقية، حيث تكون أشكال المرفهات عبارة عن تعويض عما

فقده الناس من السمو الروحي والاطمئنان الوجداني؛ ولذا

فالمباني الأندلسية الفخمة هي

شواهد سقوط حضاري أكثر من

أن تكون شواهد على النهوض والتقدم.

قصر الزهراء - مثلاً - اشتغل فيه عشرة آلاف عامل وثلاثون

ألف دابة وكانت سواريه - كما زعموا - من المرمر والحجر

الشفاف، وكانت رؤوسها مرصّعة باللؤلؤ والياقوت، هذا القصر

منسوب إلى الزهراء حظية عبد الرحمن الناصر! إنه آية في

الإتقان والفخامة والجمال، ولكن لا صلة له بتدين أو رجولة أو

صلاح !

إن ما كان الله - تعالى - اتصل واستمر وما كان لغيره فمصيره

الاضمحلال والاندثار. وإن الذين يزعمون أنهم ينصرون الدين

ويعملون من أجل الأمة كثيرون جداً في كل زمان ومكان، لكن

حين يُرفع لواء المخلصين يوم القيامة فإن الذين ينضوون تحته قليلون

مشاركة
نشرة عاطف أبوشعفه البريدية

نشرة عاطف أبوشعفه البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة عاطف أبوشعفه البريدية