وِشاحُ الأيام

بواسطة قَبس #العدد 8 عرض في المتصفح
اللّهمّ بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت وإليك النّشور 🌤️

في ظهر يوم سبتٍ هادئ كعادته، وبينما كنت أنا "🎁" مستلقية على الأريكة، وخيوط الشمس المتسللة تدثرني كِلحاف دافئ يستكين به جسدي ويستسلم له بلا حيلة، تداعت الأفكار إلى رأسي تترًا. فما كانت تلك اللحظة الساكنة المسالمة إلا طُعمًا لفخٍ تركني أتخبط في شَرَاك الخيالات.

حدثتني مخيلتي لو كان لديّ جد. نعم؛ جد!

لا أمزح في خيالاتي فأنا الفتاة التي كَبرت ومساحة الجد خاليةً لدي فلم تمتلئ بملامحه أو دفء كفيه الممتلئة بالعروقِ البارزة ولم تقبل شفتاي جبهته التي استعمرتها تجاعيد الزمن ولم يكن حاضرًا في جدول أيامي.

أخذني خيالي إلى غرفة مكوثه، حيث يتناغم كل شيء فيها على نحو يدعو للتأمل. فأول ما يُحييك هو رائحة القهوة الممزوجة برائحة فريدة توحي بأن من يقطن هنا شخصية عاصرت عقودًا. يجلس مسترخيًا على كرسيه، يقلب قنوات التلفاز الذي أصابه البُكم بسبب الإهمال وجعله على وضع الصامت دومًا، أو ربما كان مستغرقًا في الاستماع إلى صوت القرآن الذي يُبث من مذياع عتيق ينافس الزمن بعمره. وتتوسط الغرفة زمزمية القهوة وصحن التمر، كأنهما جزء لا يتجزأ من الغرفة.

كنت أتصور نفسي أجلس بجواره ليحكي لي عن يوم شاقٍ مضى، عن أكثر ما يُحبه في الحياة، عن صديقٍ فقده ذات شتاء، وعن حلم تحقق بعد عمر من الصبر. كنت أستمع إليه كأنني أشاهد فيلمًا وثائقيًا عن شخصية تاريخية عظيمة، وبريق عينيه يعكس لهفته وشوقه لتلك الذكريات.

لم يكن خيالي بخيلًا معي في تلك الظهيرة فقادني إلى مشهد آخر، إلى تلك الفترة من حياتي عندما أتوقف عن الركض لينالَ الزمن مني. عندما تخور قواي، ويضعف سمعي وبصري، وينشغل أولادي في حياتهم ومع أبنائهم، ويصبح قضاء الوقت معهم أمرًا ليس بإرادتي. حينما لا يسعني فعل شيء سوى الجلوس في ذات الكرسي كل يوم، ويصبح كل متاعٍ في الدنيا بلا قيمة، وتتساوى الأيام والأوقات والشهور والسنوات، فيصبح الروتين أمرًا لا مفر منه. كيف سأنجو؟ وكيف سأسلو؟

إثر تلك اللحظة، تجلت لي حقيقةً لم أدركها من قبل؛ بأن الأيام التي نعيشها، والدروس التي نتعلمها، والآيات التي نحفظها، والأدعية التي نرددها، والذكريات التي نصنعها، والتجارب التي نخوضها، ستصبح هي أنيسنا وجليسنا، والزاد الحقيقي لتلك الأيام. فالحياة أشبه بمدخرات نبنيها بأنفسنا؛ لحظة بلحظة، وذكرى بذكرى وكأننا نحيك وشاحًا ملونًا لنتوشحه في أيامنا الباردة ليُذكرنا كُل لون خيط بذكرى مُختلفة. كل ما نفعله اليوم سيصبح يوماً ما المؤنس والسلوى في أيام الوحدة والركود. 

" أحسنوا إلى أنفسكم بالعناية في حياكة تفاصيلِ أيامكم، جملوها وإن أصابها الإعياء. "

- 🧭

ملاحظة: صدرنا رحب وغرفتنا واسعة لاستقبال أي تعليق أو موضوع ودك نتكلم عنه🚪📬. 

خلودهدىنوره6 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة قَبس البريدية

نشرة قَبس البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة قَبس البريدية