لماذا ينجح البعض ويفشل الآخرون؟ |
بواسطة د. فادي عمروش • #العدد 92 • عرض في المتصفح |
تحليل معمق من كتاب مالكوم جلادويل "Outliers"
|
|
لا يخفى على أحد أنَّ مالكوم جلادويل أحد الكتّاب المفضلين لدي، وقد قرأت بنهم جميع كتبه، كما نشرت في صفحتي على فيسبوك مقتطفات عن قراءاتي له، واليوم أحنُّ مرة أخرى إلى مراجعة كتابه الاستثنائيين Outliers الذي يجيب عن سؤال النشرة عن سر نجاح البعض وفشل الآخرين أقرانهم. |
تحياتي |
في محاضرة ثرية قدمها الكاتب مالكوم جلادويل حول كتابه الشهير "Outliers"، طرح تساؤلاً جوهرياً: ما الذي يميز الأفراد الذين يحققون نجاحاً استثنائياً عن غيرهم؟ |
النجاح كمفهوم مشترك بين الفرصة والجهد |
يشير جلادويل إلى أن النجاح لا ينبع فقط من الموهبة الفطرية، بل من التقاء عوامل عديدة، منها البيئة، والفرص، والجهد الموجه. يقول جلادويل: "إن الفهم التقليدي للنجاح، الذي يركز على المواهب الفردية، يفتقد إلى رؤية الصورة الأكبر". |
في الواقع، يبرز الكتاب مفهوم "الاستثمار الكامل" (Capitalization)، ذلك الذي يعني مدى قدرة المجتمع على استغلال إمكانات أفراده. |
الفقر: حاجز أمام استغلال الإمكانات |
أوضح جلادويل أن الفقر يشكل أحد أكبر العقبات أمام تحقيق النجاح، مستشهداً بدراسة العالم لويس تيرمان التي بدأت في العشرينيات. قام تيرمان بتحديد 1% من الأطفال الأذكياء في كاليفورنيا، واعتقد أنهم سيصبحون قادة المستقبل|، إلا أن النتائج كانت مختلفة؛ إذ نجح فقط 15% منهم في الوصول إلى مكانةٍ مميزةٍ، بينما عاش معظمهم حياةً متوسطةً أو أقل من المتوسطة، أما العامل المشترك بين الناجحين، فكان انتماءهم إلى أسر ميسورة، بعبارة أخرى الأطفال العباقرة من خلفيات فقيرة كانوا أقل قدرة على تحقيق إمكاناتهم بسبب غياب الموارد والدعم الأسري، مثل الكتب والبيئة التعليمية الداعمة. |
القيود المؤسسية: كيف تؤثر القواعد على المواهب؟ |
تناول جلادويل ظاهرة مثيرة في الرياضة، إذ لاحظ أن معظم لاعبي الهوكي أو كرة القدم المتميزين ولدوا في الأشهر الأولى من العام، على سبيل المثال، في فريق الهوكي الكندي للشباب لعام 2007، كان 11 من أصل 20 لاعبًا قد ولدوا في يناير أو فبراير أو مارس، في حين أن المواهب التي ولدت في الأشهر الأخيرة من العام لم تحظَ بنفس الفرص بسبب نقص النضج البدني في عمر مبكر، تخيّل شخصين بعمر 5 سنوات نظرياً ولكن عملياً احدهم ولد شهر 1 والاخر شهر 11، سيكون أحدهم أكبر من الثاني ب 10 أشهر ولكنهم يتنافسان على أنهما متشابهان، بالطبع 10 أشهر هي رقم هائل بعمر 5 سنوات وسيجعل الطفل الرياضي أنجح، يمكنك إسقاط ذلك بالتعليم حين يدخل طفلان المدرسة واحدهم أكبر من الثاني ب 11 شهر ولكن بنفس الصف فينطق قبل صديقه ويتعلم القراءة اسرع وتحبه المدرسة اكثر وينال محاباة أكثر. |
الجهد والالتزام: قاعدة الـ10,000 ساعة |
يستعرض جلادويل مفهوم "قاعدة 10,000 ساعة"، والتي أثارت الجدل لاحقاً تلك التي تفيد بأن الوصول إلى مستوى عالمي في أي مهارة يتطلب نحو 10,000 ساعة من التدريب الموجه، وبدوره استشهد بأمثلة مثل بيل غيتس، الذي استفاد من فرصة نادرة للوصول إلى حواسيب في سن مبكرة، وفرقة البيتلز، التي قضت آلاف الساعات في التدرب والعزف في النوادي قبل أن تصبح مشهورة عالمياً، وحسب جلادويل يتطلب الأمر نحو 4 ساعات يوميًا على مدى 10 سنوات للوصول إلى 10,000 ساعة من التدريب. صراحة، إن هذا الجهد الموجه هو العامل الحاسم في تحويل الموهبة إلى نجاح. |
المواقف الثقافية: الفرق بين الشرق والغرب |
ناقش جلادويل الاختلافات الثقافية التي تؤثر على النجاح، مركزًا على التفوق الآسيوي في الرياضيات، كما أوضح أن الأطفال في الثقافات الآسيوية يتبنون مواقف إيجابية تجاه الجهد والمثابرة، مقارنة بأقرانهم في الغرب الذين يربطون النجاح بالموهبة الفطرية. على سبيل المثال في اختبارات الرياضيات العالمية (TIMSS)، أظهرت الدول الآسيوية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية تفوقًا كبيرًا مقارنة بالدول الغربية، ووجدت دراسة أن الأطفال الآسيويين يستمرون في حل المشكلات لمدة أطول بنسبة 40% مقارنة بنظرائهم الغربيين، وفي هذا السياق يشير جلادويل إلى أن ثقافة زراعة الأرز، التي تتطلب عملاً شاقاً ومثابرة، تركت إرثاً ثقافياً يعزز من قيم الاجتهاد. |
القيود كفرص: تحويل العيوب إلى مزايا |
ناقش جلادويل كيف يمكن لبعض العوائق أن تصبح دوافع للنجاح، وأشار إلى أن 30% من رواد الأعمال الأمريكيين البارزين يعانون من صعوبات تعلم، مثل عسر القراءة، وبدلاً من أن تكون هذه العوائق عقبة، دفعتهم إلى تطوير مهارات أخرى، مثل حل المشكلات والقيادة، والأمثلة كثيرة ومعروفة مثل ريتشارد برانسون (مؤسس مجموعة فيرجن) الذي يعاني من عسر القراءة، وكذلك تشارلز شواب الذي يواجه نفس التحدي، دفعتهم هذه العوائق لتطوير مهارات قيادية وقدرة على التفويض والمفاوضات الشفهية، مما ساعد في نجاحهم كرؤساء شركات. |
الخلاصة |
يشير مالكوم جلادويل إلى أن النجاح ليس مجرد نتيجة للموهبة الفردية، بل هو نتاج التقاء عوامل عديدة تشمل الفرص، والبيئة، والجهد، والقواعد المؤسسية، والمواقف الثقافية. لتحقيق إمكانات الأفراد بشكل كامل، يجب أن نعيد التفكير في كيفية خلق بيئات داعمة تعالج الفقر، وتحد من القيود الاجتماعية، وتعزز من قيم الاجتهاد والمثابرة. |
أن تكون استثنائياً لا يعني بذل جهدك فقط، وإنما هنالك مجموعة عوامل خفية دعمتك أيضاً بشكل أو بآخر ولكنها لا تكفي، وإن لم يكن جهدك استثنائياً أيضاً فلا تركن لذلك. |
التعليقات