تمييع مفهوم النجاح واضمحلال فكرة الاستحقاق!

4 يونيو 2024 بواسطة د. فادي عمروش #العدد 64 عرض في المتصفح
علينا التفكير بجدية حين نقع بفخ التقصير مع الطفل سواء في المدارس أو العائلة بأن لا نعوضه بأن نحقق له ما يريد بأموالنا كأنها كفارة لنا

تحياتي 

مما هو خطير هذه الأيام انتشار الدعوات التي تميّع مفهوم النجاح في الحياة وتجعله أمراً نسبياً ضمن إطار شهير وهو كلام حق أريد به باطل، عادة ما يكتب الناجحون عن نسبية النجاح بعد أن ينجحوا من باب التواضع والتعاطف مع الآخرين، ولكن ما يجري حالياً أنّها تتحول لموضة للجميع تميّع المفاهيم وتجعلها مطّاطة.

ما يزيد الطين بلّة تراجع ذلك على حساب فكرة الاستحقاق، فعوضاً من زرع ثقافة الاستحقاق، تنتشر ثقافة الحلم بالربح السريع - ويا ليته موجود - وثقافة الشغف و عمل ما تحب، وثقافة الاعتماد على الآخرين في تحقيق الأهداف، واعتبار ذلك لزاماً بديهياً عليهم، وحقاً مكتسباً دون استحقاق.

تبدأ المشكلة بدخول مفهوم الاستحقاق الغريب لدى الطفل ممَّا يجعل الأهل يشعرون بالمسؤولية والذنب، فأصبح هذا الطفل لا يكلِّمهم، وينتظرهم حتَّى يقوموا هم بإرضائه بالتقرُّب منه والاعتذار منه، وهو يبدأ بالنفور منهما! وذهبت التراتبية التي تجعل الطفل يحافظ على مكانة الأب والأم ويحترمهم وتعدت ذلك إلى انعدام التراتبية بشكل عام في المدرسة أو المدير أو حتى العمل لاحقاً، وأضحى الخبرة والنجاح و العمر مفاهيم نسبية لا تجبر شخصاً على الاستماع إلى النصائح والإرشادات التي تعينه على مواجهة الحياة، ولكن بالمقابل سيتقبل سماعها من مشهور لمجرد أنّ عدد مشاهداته كثيرة ( دون أن يدري أن شراء المشاهدات هذه الأيام أرخص من شراء الفجل).

علينا التفكير بجدية حين نقع بفخ التقصير مع الطفل سواء في المدارس أو العائلة بأن لا نعوضه بأن نحقق له ما يريد بأموالنا كأنها كفارة لنا، حين نعطيه أكثر من لعبة تكفيراً عن تقصيرنا فنحن نعلمه ان يحصل على ما يريد دون استحقاق له، حين نتيح له دخول الجامعة التي يريد والمدرسة التي يريد دون الاعتماد على درجاته، لن ينفعه ذلك في الحياة المهنية بعد ذلك حيث التنافسية حقيقية.

لربّما علينا العودة لمقاييس حقاً للاستحقاق بدل الاعتماد على معايير مائعة، من المهم فعلأ أن يصبح لدى الآباء إدراك بأنَّ الدرجات التي ينالها الطالب في المدارس معيار مهم للاستحقاق له، هي ليست كل شيء طبعاً ولكن لايمكن اعتبار وجود نجاح تلقائي ومحاباة في مدرسة خاصة على أنّه الحل لتعلم الرياضيات مثلاً؟

لعلّ التعلم بطريقةٍ صحيحةٍ تكون بالتعلم فعلاً وبالمنافسةٍ مع الأقران ويأخذ الدرجات التي يستحقَّها الطفل وليس الدرجات التي يستحقها قسط المدرسة!

واهم من يظن تحقيق النجاح بدون بذل الجهد

واهم من يظن تحقيق النجاح بدون بذل الجهد

وبعيداً عن الاطفال علينا أن نفكر نحن بمقاييس واضحة للنجاح والاستحقاق، وأن لا نركن للفكرة التقاعسية أنّ النجاح نسبي كمخدّر لنا، والامر لا يتعلق بالحياة الدنيا فحسب، فكما جاء في الحديث الشريف: الكيّس من دان نفسه،وعمل لما بعد الموت، والعاجز ( في رواية الأحمق) من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

fadyamrSamirAhmad Batak5 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة دورية تصدر كلّ يوم سبت، يصدرها د. فادي عمروش تتضمن فكرة خارج الصندوق مع اغناءها بالروابط وما بين الكلمات، لتقول وجدتّها

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خارج الصندوق البريدية