ما أثر الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ على سوق العمل؟

بواسطة د. فادي عمروش #العدد 13 عرض في المتصفح
بدأ نموذج ChatGPT كفكرة متواضعة ربّما، ولكنه سرعان ما اكتسب 100 مليون مستخدم بسرعة رهيبة، ولعلّ السؤال الأهم: كيف يُمكن أن يؤثِّر الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ على سوق العمل العالميّ؟

بداية إنّ مفهوم الذكاء الاصطناعيّ ليس بمفهوم جديد، ولكنّ ما حدث حالياً طفرة في الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ. يتعلم الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ كيفية بناء معلومات جديدة من البيانات السابقة، وينشئ محتوى جديداً تماماً، سواء أكان نصّاً أم صورة أم حتى شفرة برمجية، بناء على هذا التدريب بدلاً من مجرد تصنيفٍ أو تحديد البيانات مثل الذكاء الاصطناعيّ العاديّ.

ومن أشهر تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ التوليدية برنامج "شات جي بي تي" (ChatGPT)، وهو روبوت محادثة أطلقته شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) أواخر العام الماضي وتدعمه مايكروسوفت،  ويُعرّف الذكاء الاصطناعيّ الذي يدعم هذه التقنية بنموذج اللغة الكبير (large language model)؛ لأنّه يأخذ أمراً نصياً، ومنه يكتب استجابة لهذا الأمر بنصوص مكتوبة بأسلوب شبيه بالإنسان.

بدأ نموذج ChatGPT  كفكرة متواضعة ربّما، ولكنه سرعان ما اكتسب 100 مليون مستخدم بسرعة رهيبة، وربّما يعود السبب إلى أنّ القائمين عليه قد اتّبعوا مبدأ الحوار معه، حيث يحبّ الإنسان فكرة الدردشة مع أحد ما، فما بالك مع بوت شديد الذكاء!

إنّ عودة واجهة سطر الأوامر أو مربع النصّ للدردشة مع الحاسوب تعود إلى الأيام الأولى للحوسبة، عندما كان سطر الأوامر عبر نظام مثل دوس هو الطريقة الوحيدة للتفاعل مع الحواسيب، تتميَّز واجهات مربع النص في بساطتها وألفتها، لكنها تتطلب من المستخدم معرفة الأمر الذي يجب إصداره، ومع ذلك تستهوي واجهات المراسلة مجموعة متنوّعة من الأشخاص، حيث تستفزّهم فتدفعهم إلى قضاء المزيد الوقت، بينما يدردشون مع البوت!

ولعلّ السؤال الأهم: كيف يُمكن أن يؤثِّر الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ على سوق العمل العالميّ؟

في تقرير مثير صادر عن جولدمان ساكس، وجد التقرير أنّه يمكن أنه يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يحلّ محلَّ ما يعادلُ 300 مليون موظَّف بدوامٍ كاملٍ، كما أضاف التقرير أنَّ ما يقرُبُ من ثُلُثَي الوظائفِ في الولايات المتحدّة وأوروبا "تتعرَّضُ لدرجةٍ ما من الأتمتة من خلال الذكاء الاصطناعيّ"، مُضيفاً أنَّ التكنولوجيا يُمكنُ أن تحِلَّ محلَّ ما يصِلُ إلى ربعِ القوى العاملةِ الحاليّة.

ومن ناحيةٍ أُخرى، أشار التقريرُ إلى أنَّ تسريح العمالِ الناجمِ عن أتمتةِ الوظائفِ باستخدام الذكاء الاصطناعيّ، سيعملُ على "تعويضِ نفسه" عن طريقِ خلقِ وظائفٍ جديدةٍ ناجمةٍ عن الابتكاراتِ التكنولوجيةِ، وتتناسبُ مع معدلِ نموِّ العمالةِ على المدى الطويل.

وفي تقديراتهِ، قال التقرير: إنَّ 7% من الوظائفِ في الولايات المتحدة يُمكنُ أتمتتُها باستخدامِ الذكاءِ الاصطناعيّ، و63% من الأعمالِ يُمكنُ دعمُها بواسطةِ الذكاءِ الاصطناعيّ، بينما 30% من الوظائفِ لن تتأثَّرَ أبدًا. ومع ذلك، فإنَّ التأثيرَ الإيجابيَّ للأتمتةِ على إنتاجيةِ العملِ يُمكنُ أن يكونَ ذا أهميةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، حيثُ إنَّه من المُمكنِ أن يقومَ الذكاءُ الاصطناعيّ برفعِ الناتجِ الإجماليِّ العالميِّ السنويِّ بنسبةِ 7%، إذا ما "وفى بوعودِهِ"، بحسب ما قال البنك.

63% من الأعمالِ يُمكنُ دعمُها بواسطةِ الذكاءِ الاصطناعيّ  

63% من الأعمالِ يُمكنُ دعمُها بواسطةِ الذكاءِ الاصطناعيّ  

على صعيد آخر وجدت دراسة جديدة حول تأثير GPT-4 على سوق العمل أجرتها شركة OpenAI وجامعة بنسلفانيا حول التأثير المحتمل لنموذج GPT-4 على سوق العمل، أظهرت الدراسة أنّ حوالي 50% من العمال قد تتأثر نصف مهماتهم أو أكثر من النصف بنماذج اللغة الكبيرة مثل GPT-4، وسردت الدراسة مجموعة من المهن والصناعات التي قد تشهد اضطراباً  كبيراً نتيجة انتشار الذكاء التوليدي ومنها -على سبيل المثال لا الحصر-: المدرسون بشكل عام والرياضيات بشكل خاص، ومعدو الضرائب والمبرمجون،  ومطوّرو حلول بلوك تشين والصحفيون وكتّاب المحتوى، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة إمكانية أتمتة المهمة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعيّ، وإنّما أن يصبح جزءاً من العمل ممّا يعني تقليل العبء على الموظفين بشكل كامل.

بالعودة إلى التقرير فيمكن أن نقتبس: 

على الرغمِ من أنَّه من المتوقعِ أن يكونَ تأثيرُ الذكاء الاصطناعيّ على سوق العملِ كبيراً، إلاَّ أنَّ معظم الوظائفِ والصناعاتِ ستتعرَّضُ جزئيّاً فقط للأتمتة، وبالتالي، من المُرَجَّحِ أن يتمَّ دعمُ القوى العاملةِ بالذكاء الاصطناعيّ بدلاً من استبدالها.

بعبارة أخرى: لن تبقى الحاجة إلى ساعات عمل طويلة، كما هو الوضع سابقاً لأن ّ الذكاء الاصطناعيّ سيتكفل بعدد لا بأس به من المهمات العادية الروتينية، وقد يؤدي ذلك إلى تشبّع السوق، وربما يؤدّي إلى وظائف ذات أجور أقلّ في المدى الطويل أو أجور أكبر ولكن بدوام أقل.

Salim Al-Bitarرنيم اللحامImam Alduoaibes3 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة دورية تصدر كلّ يوم سبت، يصدرها د. فادي عمروش تتضمن فكرة خارج الصندوق مع اغناءها بالروابط وما بين الكلمات، لتقول وجدتّها

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خارج الصندوق البريدية