المرأة والظِّل الأدبي |
6 مارس 2025 • بواسطة هناء. • #العدد 2 • عرض في المتصفح |
|
|
الأدب الذي نتناوله هنا يعد مرآة تُبرز صورة المرأة، سواء كان ظهورها قوياً أو باهتاً، فهي الكيان الأساسي في كل قضية ورواية، المرأة القائدة، نورها يكمن في ظلها، وسلطتها تتجلى في خفائها، وحبكتها تُنسج من وراء الستار، تتوارى عن الأنظار لتصنع مجداً خالداً في صفحات الزمان. |
هل للمرأة دور في إبراز الأدب؟ |
استنادًا إلى ما قرأناه وشاهدناه عبر العصور، يمكننا القول إنَّ الأدب لا يُبرز المرأة فحسب، بل ينبع من ذاتها ولبِّها، هي خير من يجسِّد الأدب في جميع أنماطه وأشكاله، مترجمةً في صفاتها، قوتها، رقتها، أصالتها، وإنجازاتها. لم تغب مكانتها في مجريات الأحداث، بل كان لها حضور خفي في جميع التفاصيل، من خلال الأشخاص والأحداث، وحتى في التمثيل الرمزي، حيث تتجلَّى في الأمل والحكمة والمرونة والقوة الحانية والفكر الحالم، لم تكن هي بؤرة المشهد، لكنها كانت المحور في الظلال، قد يكون صوتها صامتاً، لكنه يحمل تأثيراً قوياً كمصدر إلهام يُستند إليه في تجاوز المكابدات، لتحكم مجرى القصة بفضل تأثيرها النفسي. |
سابقًا، كان الميدان حكرًا على الفرسان، فلم يعترفوا بالفارسة، لكنهم رغم ذلك استلهموا شتى فنونهم منها؛ فتارة تكون أميرة في حكاياهم، وتارة بطلة في قصصهم، أي أنَّ أعمالهم الفنية لم تكتمل من غير ذكرها، فكانت أسطورة يتداولونها، لكنها بعيدة التصديق. |
ولكن في حقيقة الأمر، كانت ولا تزال المحرك الأساسي للأدب، كثير من النساء كنَّ تحت قيود مفروضة، لذا لم يكن يُعرفن بأسمائهن، بل كان دورهن يتمثل في الظلال أو الإلهام. في النهاية، لا يمكن ردع شيء عن موضعه، والدليل يكمن في تاريخ الأدب نفسه، إذ أصبحت المرأة أميرة القيادة في أدوار عدة، تتمثل في مقام الأمومة الحاضنة، والزوجة الوفيَّة، والأخت الأنيسة؛ لقد أتمَّت في حضورها جميع المراتب، سواء كان ذلك في خيوط الظلال أو في رحابة الضوء. |
أدب المرأة ليس فقط في ما تظهره للعلن تحت أيِّ موجبٍ كان، إنَّما يكمن في جوهرها كالؤلؤ المكنون في كنف الأصداف، كشروق ضوءها في غياهب اليأس لينبلج فلق منير. حيث يتبدَّى ذلك في مواضع استثنائية: في مثابرتها لنيل الأهداف، وفي حزمها في اتخاذ القرارات، وفي مرونتها في التكيف رغم التحديات، وفي عطفها اللامحدود، إنَّها لا تغرق في زوبعة أفكار زائفة، بل تسمو فوقها متمسكة بالحكمة والبصيرة. |
المرأة في الأدب العربي |
الحضور النسائي في الأدب العربي كان متفردًا عن غيره من العلوم والمقاعد الشاغرة، إذ كان لذوقه عذوبةٌ ولذة، فإن تناثرت حروفه كان كالدُّر المنثور، وإن انتظمت حملت من الشأن ما لا يُقدر بثمن. تميَّزت المرأة في الأدب بأشعارها وقصائدها، بنثرها ورثائها ، بسردها ورواياتها وقصصها وتجاربها. تفجَّرت أنهار الفن من أناملها، لترسخ في ذاكرة الزمن، وتنقش أسماء رائداتها في وجدان الأجيال. |
في جميع الحالات، كانت السنديانة إمَّا الشخصية المركزية التي تحرك الصراعات وتحكم قبضتها على زمام الأمور في آن واحد، أو ظلاً خافتاً خلف الأحداث، متلاعبةً بالبيادق كيفما راق لها. وقد انتقلت من كونها مجرد موضوع يُكتب عنه إلى كاتبة تعبِّر عن ذاتها، فصارت لكتاباتها صوتٌ مسموع وصيتٌ ذائع. |
وذلك ليس بالعسير، ولكنه ليس باليسير أيضاً! فالكتابة تحتاج إلى دافع ينبع من القلب، وبصيرة تتلمَّس نهج الحياة، ومشاعر نافذة، وأحاسيس مرهفة، وأنامل تقدِّس الحبر. |
قرأت ذات مرة أنَّ المرأة كثيراً ما تُشبَّه بالأشجار في الأدب، وبدفء الشمس حينًا وهدوء القمر حينًا آخر. فهي كالسنديانة، عريقة الجذوع، متينة الأغصان، رقيقة الأزهار، دافئة معطاءة كأنوار الشمس، ومسالمة مستكينة كرواق الليل ووهج القمر، وكل ذلك يتحقق في تعاملها، كما أنَّ قوَّتها تكمن في توازنها بين العقل والعاطفة، فالمرأة اللبيبة لا تنقاد لعواطفها مجردة من العقل، ولا تحكم بعقلها متخلية عن العاطفة، بل توازن بينهما لتظفر بحلِّ العقدة. |
ختامًا |
تُرى، هل يمكن للأدب أن ينفصل عن المرأة؟! وهي التي أضافت إليه نبضًا، وبنت عليه جسورًا تعبر بها دروباً لا تنتهي، تتغلغل في النصوص وبين الكتب، مرسمةً أمنياتها ومعاناتها، تتجسد في الصفحات، وتُروى في الروايات، وتُخلَّد على الأسطر. |
وهكذا تبقى جوهراً متحرِّكاً في ظل الأدب. |
فلينظر كلٌّ منا إلى دور الأم في حياته، وإلى الزوجة الرَّفيقة التي كانت له سنداً وملاذاً، وإلى الأخت التي طبطبت على قلبه في ضيقته. فكل ما ذكرته في المقالة يتمحور حول هذا، ويتطرق إلى أدوارهن. |
التعليقات