|
لم يتخيل أبي أننا كبرنا بما يكفي لنستقل بحيواتنا بعيداً عنه، وعن أمي"طبيعة"؛ فأبي"كون" شديد الحرص للثبات على مبدأه في تربيتنا، فيما يخص وحدتنا الجغرافية. فكلنا شخص واحد إذا اشتكى منه قطعة علمّنا أن يسهر الباقي لحل مشكلته وإرجاعه لصف الجماعة. لكن أخي "هن" كانت له شخصية تحمل الكثير من الاختلافات التي جعلته يقرر بناء عش جديد ليستقل بعيداً عنا.وقد تفاجأ أبي "كون" كثيراً عندما أعلنها "هن" صراحة: أنه بالفعل بنى عشه وقرر الإنفصال عنا.لم يكن اعتراض أبي عن الإنفصال في حد ذاته، لكنه فيما قد يحدث في فقد سيطرته علينا فننسى ما ربانا عليه من مبدأ الجماعة؛ فلا يلتفت أي منا لأخيه، وتنتشر الفوضى، ليست الخلاقة بالتأكيد بل فوضى العمل بلا مبدأ.وعلى الرغم من ذلك لم يعنف أبي "هن" مثلما فعل مع أخي "باكي" عندما حذا حذوه واستقل هو الآخر.فلقد حزن حزنا شديدا، لكنه لم يعنفه.لكن العجيب في أمر أبي عندما لم يحرك ساكنا أمام "كو" الذي استطاع الإنفصال عنا بالفعل هو الآخر؛ ربما اعتاد أبي الأمر.وفي خضم تلك الأحداث ومع كل ما يحدث ظل الإبن العاقل "إيل" على طبعه المستفز للجميع وخاصة معي بشكل خاص، محدثكم "شق".لم يكن يتوانى في إيذائي ومضايقتي بأي طريقة، فقد رزقني خالقي قدر كبير من الأخلاق والمبادئ والتمسك بها، بالإضافة للجمال الطبيعي الذي ميزت به عن الجميع من طبيعة خلابة وجاذبية خاصة.تلك الميزات جعلت الطمع فيّ شيء طبيعي على الرغم من استحواذي على ثقة الجميع؛ ما استثار غضب "إيل"، وجعل الحقد شجرة تنمو بداخله وتتفرع بشكل مفزع.وبألاعيبه التي لا حصر لها أخذ في مضايقتي بكل شكل يخطر أو لا يخطر على البال، حتى شاب الشعر وتوقف الطفل عن النحيب.كان جُل همه إقناع "أمر" بأنه هو المهم، بل هو كل شيء ولا شيء آخر سواه.تنوعت طرق إقناع "أمر" بذلك فتارة يضغط عليه بالحديث، وتكراره عن أفعال هذا أو ذاك، وتارة يرى أن الشكر والثناء والتقرب من "أمر" هو الحل السحري لتحقيق أغراضه وأهدافه.حتى وإن أغدق عليه بالهدايا المالية والعينية؛ فلا مانع، أو حتى قام بالتهديد بشكل مباشر أو غير مباشر.بإختصار شديد: لا يترك شيء إلا ويفعله مع "أمر" خصيصا؛ ليجعله يصل إلى ما يريد.وطمعه شاملاً للجميع، وفيّ تحديداً بالأكثر.فلم يُرد فقط مضايقتي وحسب، بل تمكن منه الحقد إلى الطمع في مكاني بالكامل.لم يكن أبي بغافل عن ذلك؛ لكن حكمته منعته من محاسبة أي منا على فعله إلا عندما يأذن القدر بشيء أكبر منا جميعا. وهنا جاءت الفرصة ل "إيل" ليقتنصها فيصل لهدفه. أخذ يراقب كل منا، ويوصل أخبارنا ل "أمر" الذي أراد الحصول على تكريم أمي "طبيعة" وأبي "كون" له فيحصل على صك الأخ الأكبر الذي يعطيه أبي كل فترة لواحد منا استطاع فعل تضحية كبيرة أو عمل بطولي استطاع به استحقاق هذا الصك حتى ما ظهر منه ما خالف ذلك سُحب منه ليُعطى لغيره كان أفضل منه بالتأكيد.وأتفق هوا "إيل" ؛الذي يريد الحصول على مكاني بالكامل، مع هوا "أمر" ؛الذي صار له فترة يسعى للحصول على صك الأخ الأكبر.وهنا نمى إلى علم "إيل" بأن "ران" يفكر في بناء عش جديد، فقط "يفكر".فبالطبع ذهب مسرعاً إلى "أمر" ليخبره بذلك.كان "أمر" له من العقل ما يجعله ينتظر حتى يتسنى له التأكد بطريقة أو بأخرى، على الرغم من محاولات إرضاءه ل "إيل"، قبل أي تصرف يقوم به. وكان "حاد" في ظهر "أمر" على الدوام، ويساعده بقدر ما يستطيع ولا يتخلى عن مساندته حتى وإن خالف ذلك الكثير من أبنائه، إلا أنه بدأ يتغير عن ذلك حينما أعلن "أمر" صراحة مضايقة أبناؤه "كن" و"مك".فكر "أمر" بأن ذلك سيكون خطوة جيدة في نظر أبي تسانده في البلوغ لإرضاءه والحصول على صك الأخ الأكبر بسيطرته على الجميع؛ فلا يفكر أحد في الإستقلال مجدداً، وربما فيما بعد يستطيع جلب الآخرين ممن استقلوا جديداً، على حسب تفكيره. لكنه لم يكن يتوقع بأنه قد فقد بذلك مساندة "حاد". ربما ليس على الوجه الأكمل، لكنه ومع الوقت.وربما رجع سبب تأخر "حاد" في أخذ قراره النهائي هو صدمته من "أمر" وعدم تصديقه لما يفعله ضده. في غضون ذلك لم يكف "إيل" عن مضايقتي بالتأكيد، حتى جاء في يوم وأوغل صدر أبنائي ضدي؛ فلم أحتمل المساس بأبنائي، وقررت الإنفراد ب "رو" و"صي"؛ حتى أخبرهما عن تلك الأفعال التي لم تعد تحتمل، وأنني لن أسمح بالمساس بأبنائي.لم يكن فعل "إيل" يخفى على أي منهما ووافقاني على أنه بالفعل قد زاد فعله عما يحتمل فلم يكن فعله خفي عن أحد.ومع تكرار ذكر "إيل" لما ينوي "ران" فعله على مسامع "أمر"، ومع محاولة "أمر" بأن يكون صاحب التصرف الحكيم والمسؤول؛ لم يستجب في البداية بشكل كلي لتنبيهات "إيل"، لكنه وفي النهاية خضع لأمر "إيل" ولرغبته ولإرضائه حتى وإن لم يتأكد تمام التأكد من صحة تلك المعلومات.فاصدر "أمر" قرارا بحبس "ران" 12 يوما دون طعام أو شراب.لكن استطاع "ران" التغلب على ذلك بطريقة أو بأخرى.تهللت أسارير "إيل" بما يفعله "أمر"، وأخذ يشجعه ويستثير رغبته في إحداث المزيد من تلك القرارات الاستحوازية وإجبار الجميع على الخضوع تحت الحلم المشترك له مع "أمر".ظل يثني عليه ويشجعه حتى أعلنها صراحة بأنه سيتقدم بالفعل بطلب لأبي "كون"، وأمي "طبيعة" باستحقاق "أمر" الحصول على صك الإخوة بما لا يترك مجانا للشك في ذلك.وهنا كانت الفرحة عارمة من "أمر" لما صرح به "إيل"، وأراد أن يكافئه على رغبته تلك؛ فرد عليه بأنه بدوره سيتقدم بطلب هو الآخر لأبي "كون"، وأمي "طبيعة" بأن يقدما صندوق السلام هدية ل "إيل" على ما يقوم به من مساعٍ حقيقية لتحقيق الوحدة والسلام بين الجميع.فقام "أمر" باحتضان "إيل" وهو يحدث نفسه بصوت غير مسموع:"إلى متى سأظل أغطي على أفعالك القذرة تلك؟!".وبادله "إيل" احتضانه وهو يحدث نفسه بصوت غير مسموع:"وأخيرا جاءت اللحظه التي أستطيع فيها تحقيق حلمي واحتلال العالم أجمع؛ "لقد هرمت يا "أمر"".لم يكن مني إلا أن نظرت إليهما والشفقة تملأ عيناي عليهما من تلك الأمنيات التى لن يرضى بها أبي، فهو يعلم جيداً الفرق الكبير بين تطبيق الأخلاق والتظاهر بتطبيقها".
|
التعليقات