حينما نسجتُ قصةً مدادها من نور..

20 يوليو 2025 بواسطة مريم الهاجري #العدد 72 عرض في المتصفح
لا تقبع خلف مخاوفك.. انهض معي وانسج قصتك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

حيَّ الله متابعي الجدد ورفقاء الدرب..وجودكم في قائمتي البريدية دافع كبير لاستمراري في الكتابة كل أسبوع.. لكم كل الشكر.

***

هل شعرتَ يومًا أنك وحدك؟! تواجه الألم والمرض وحدك.. تواجه الخوف والقلق وحدك.. تواجه الصعوبات والمشاكل وحدك! فإذا بصوت خفي يهمس في قلبك أن تلجأ إلى من يجمع الشمل، ويزيل القلق والهم، ويُشفي من الأسقام، ويدحر الأعداء، ويحلُّ المشكلات..

هل جئت هاربًا من قسوة الحياة إلى رضا الرحمن، وطلبت اللجوء إلى رحابه لتشعر بالأمن وليزول عنك القلق والألم والهم؟

هل شعرت برغبة في قول يا رب صادقًا من قلبك.. ثم لطمت العجمة لسانك فحالت بينه وبين التعبير عما تعجُّ به حنايا قلبك؟!

ماذا يُغيّر فينا الدعاء؟ وكيف تكون ممن يستجاب لهم، فتتغير الأحداث والأحوال والظروف لتوافق نفعهم وفائدتهم، أو تدفع عنهم ضررًا؟

هل نحن في غنى عن الدعاء، هل يُعالج الدعاء القضاء؟.. عدة استفهامات دارت بخلدي أثناء الإعداد لهذا العدد، وهأنذا أبث شيئًا منها بين يديكم لنقرأه ونناقشه معًا.

        أَتَهـــــزَأُ بِالدُعـــــاءِ وَتَـزدَريـــــــهِ                   وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ

        سِهامُ اللَيلِ لا تُخطِي وَلَكِن                  لَها أَمَـدٌ وَلِلأَمَـدِ اِنقِـضــــــــاءُ

الإمام الشافعي

يكفينا من مشروعية الدعاء قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} ويكفينا من إدراك المُنى لهذا الدعاء قوله تعالى بُعيد ذلك: {أَسْتَجِبْ لكُم}  لقد ارتبطت الاستجابة ببذل الدعاء دون أي تعقيدات، فلا نذور ولا قرابين، ولا وسطاء بيننا وبين ربنا جلَّ في علاه إذ أخبر عن ذلك بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. حينما تتوجّه إلى ربك بالدعاء صادقًا، راجيًا، فهل تراه يردّك خائبًا منكسرًا! حاشاه تبارك في علاه، بل هو الأرحم بنا من أمهاتنا سبحانه.

كثيرًا ما نسمع عن قصص من استجاب الله لهم دعواتهم، فهل صنعنا لنا قصة، تحمل بصماتنا وتوقيعنا؟ هل عشنا حياتنا بالدعاء ومع الدعاء؟ أسئلة تبادرت إلى ذهني وأنا أفكر لأيام في هذا العدد.. كم مرة ندعو ربنا؟ ومتى ندعوه؟ وكيف ندعوه؟ لماذا يوجد أُناس دعواتهم مستجابة، بينما يوجد أُناس لا يكادون يحصون استجابة دعوة واحدة لهم، فتراه يقول ويكرر دعوت ولم يُستجبْ لي.. بحثت في نفسي، وفتّشتُ فيما/ وفيمن حولي ومن أقرأ لهم وأتابعهم.. فبقدر الاختلاف وجدت التشابه، وبقدر الابتعاد وجدت القرب، وبقدر الغفلة وجدت اليقين، وبقدر القلق وجدت الطمأنينة، فربنا يستجيب لمن يشاء بحكمته.. وعلينا أن نسعى لأن نكون ممن يحبهم الله ويوفقهم لدعاء تتفتح له أبواب السماء، ويخضع له جنود الأرض! لنكون من هؤلاء الذين امتنَّ الله عليهم فاستجاب دعاءهم.

للدعاء قصة ننسجها حينما نشعر بالضعف والألم، بالوحدة والفقر، بالحاجة والخوف، بالرغبة والحب، بالشوق والأماني.. للدعاء قصة ربما نعيشها للحظات ثم ننخلع عنها وكأننا لم نبدأ حبكة بداياتها.. فتبدو مبتورة لم نكتب فقراتها.. ولم نحياها!

حينما تتوجه إلى السماء مناديًا مناجيًا يا رب.. هل استشعرت أنك تنفصل عن قوتك وكل أسباب الدنيا، وتعلن ذلك وضعفك وحاجتك لرب العالمين.. هل استشعرت أنك تؤدي نوعًا من العبادة تؤجر عليه حتى لو لم ترَ أثرًا للإجابة، هل استشعرت أنك في عبادة وأنت تنتظر الفرج من الله واستجابة دعوتك، هل تعلم أن استجابة دعوتك أقرب إذا ما كنت متيقنًا يقينًا صادقًا أن الله سيستجيب لك..

هل استشعرت أن الله يحبك لأنه وفقك لأن تقف بين يديه وتدعوه، وغيرك محروم من هذا المقام 💔-اللهم لا تحرمنا حبك ورضاك-.

حينما تعيش الدعاء قصة حياة، تسمو روحك للعالم العلوي فتكتسب منه قوة وصلابة في مواجهة الظروف الصعبة، ويقينًا ورضا أمام الأقدار المؤلمة، وحتى انتظار استجابة الدعاء والفرج يكون برضا وسرور وهدوء بال رغم المعاناة والآلام، وأنت تنسج لحظات قصتك الرهيبة مع الدعاء، تدعو وتحسن الظن بالله، وتتيقن استجابته لك، وتشعر بحبه لك إذ وفقك لدعائه، ثم تدعو لتتاكد أنه لا يزال يحبك، ويحيطك بعنايته ورعايته، فيهون عليك ألم الانتظار، وتحتسب قسوة المعاناة وتتأكد أن كل ما يحيط بك هو خير لك ولو كرهته نفسك..

       وإذا العناية لاحظتك عيونُها            لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ

      وبكلّ أرضٍ قد نزلت قفارها              نَــمْ.. فالمخــاوف كلّهــنَّ أمـــانُ

عمر اليافي

الدعاء يزيدنا وعيًأ، وصبرًا، وحكمة.. حينما ندعو ونصبر، وندعو وننتظر، ثم ندعو ونصبر.. إنه ليُفتّق وعينا على أشياء لم نكن نراها قبل أن ندعو. حينما تنسج قصتك مع الدعاء، ونعيم الدعاء، فأنت لا تريد أن تنتهي هذه القصة، فتظل تنسج خيوطها في طلب الأمن، والتوفيق والرزق، في طلب الزوج/ـة والوظيفة والولد، في طلب الشفاء من الألم، في طلب زوال الهم وقضاء الدين، في طلب السلامة من المصائب والفتن، في طلب الأمن من الحروب، في طلب المعافاة من الخطوب، في الدعاء بحفظ الأهل والأحباب، والدعاء للذين يسكنون قلوبنا ويعيشون بعيدًا في العالم الآخر الذي سنوافيه نحن حتمًا.. في أشياء كثيرة، بحسب ما تتوق له نفسك وأنت تقرأ أحرفي هذه.. ألا تشعر أنك في بستان نضر تريد أن تقطف من كل ثماره لتتذوقها أيها أطيب، مع علمك أن كلها طيبة!

[في ساعة استجابة قالت لأبنائها:

ادعوا.. أليس لكم حاجة؟.. ألا تبحث عن وظيفة؟ وأنت، ألا تريدين القبول في الجامعة؟ وأنت ألا تريدين التميز في الدراسة؟

أمامكم فرصة الآن.. ادعوا ربكم.. ألا تريدون الجنة؟ ادعوا لأجدادكم بالشفاء وطول العمر.. وادعوا لأبي بالرحمة].

ما أعمق قولها "أليس لكم حاجة؟" مَن منّا ليس له حاجة؟ انثروا حاجاتكم واجمعوها بين يدي ربكم.. تذكروها بكل التفاصيل {فإنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَملُّ حتَّى تَملُّوا} لقد كُتب لهذا الفيديو ألا يزول عن ذاكرتي! لا أدري بماذا يدعو هذا الرجل.. ولكنه انفصل عن الواقع حوله، وأنشأ يبث دقائق حاجته لرب رحيم كريم ليلطف به ويفرج كربه، اللهم ارزقنا يقينًا حين ندعو، ورضا وتواضعًا حين تستجيب. بعضنا لا يعرف كيف يدعو! أتدرون لماذا؟ لأنه لم ينسج قصة مع الدعاء كما فعل هذا الرجل! لو كان للدعاء فصولًا في حياته ما أعياه حينما يحتاجه! ليلة الاختبار..أو ليلة المقابلة الوظيفية.. أو ليلة العملية الجراحية.. أو ليلة اختيار الزوج/ـة.. وكل اللحظات المصيرية التي يحتار فيها البعض كيف يدعو، ولو أنه اعتاد حَبْكَ قصته مع الدعاء لوجد ملامحها ظاهرة حينما يحتاجها.. ادعو الله في كل شيء، وكل وقت حتى ينطلق به لسانك في الظروف الصعبة، والأوقات الحرجة.

ومما يساعدك في استحضار الدعاء حينما تستمع بحضور قلب لقنوت الحرمين، الحرم المكي، والحرم النبوي، أو حين تقرأ دعاء ختم القرآن الكريم المنسوب لابن تيمية رحمه الله، ففي هذه الأدعية من خير الدنيا والآخرة، وأغلب ما فيها هو من القرآن الكريم أو السنة النبوية ودعاء الأئمة الصالحين، ولا تقيد نفسك، فالدعاء لا يحتاج ألفاظًا مزخرفة جافة من مشاعرك ويقينك باستجابة الله لك، وإنما تدعو بحضور قلب، وانكسار نفس، وظن حسن باستجابة الله لك مع يقين أن الله {يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ}

وإليك شيئًا من آداب الدعاء مختصرة من موقع الإمام ابن باز رحمه الله:

  1. الإقبال على الله وحضور القلب.
  2. الطهارة واستقبال القبلة ورفع اليدين.
  3. الإلحاح بالدعاء وتكراره.
  4. البدء بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
  5. الحذر من المعاصي وأكل الحرام فإنها من أسباب حرمان الإجابة.
  6. العناية بطاعة الله ولالاستقامة على طاعته.
***

كانت النية أن يكون هذا العدد أقصر هذه المرة.. ولكن الحديث ذو شجون..

انسجوا قصصًا تروى مع الدعاء.. عيشوا مع الدعاء كل أيامكم.. وتفسحوا في بساتينه الغناء.. واقطفوا من أطيب ثمارها، فعتاة الأرض لا يستطيعون سلب نعمة الدعاء منكم.. ولا يسلبها منكم سوى تسلط الشيطان.. أفتتركونه وما يريد؟!

تجدني هـنـــا
لطلب الخدمات
وادي البزنسABDELLAH LAHMERمحمد الجعيدي3 أعجبهم العدد
مشاركة
عـمـــــــــق

عـمـــــــــق

على سبيل الفضول والبحث والطموح كل اثنين ستشرق "عمــق" بها شيئًا من قناعاتي وقراءاتي وعاداتي كي نرتقي معًا

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من عـمـــــــــق