لماذا كنتُ أخشى حصص الأدب العربي؟

بواسطة مريم بازرعة #العدد 4 عرض في المتصفح
وما غُربَةُ الإنسانِ في بُعْدِ دارِه ،،، ولكنّها في قُرْب من لا يُشاكلُ

وقفتُ أردّدُ هذا البيت مع زفرةٍ خفيفةٍ ما كان لها أن تطول.

ولا شكّ أن معاني الغربة والتحسّر وإيقاع البيت الحزين قد تضافرتْ لإيقاع ذلك الأثر في نفسي، ولا أنكرُ أنّ لدي استعدادًا مسْبقًا للتجاوب مع تلك المعاني، لا سيّما مع صباح هادئ أنعمُ فيه بالوحْدة.

لم تنلْ تلك الزّفرة حظّها من الحُرقة ولله الحمد، وأنّى لها أن تكتمل وأنا أكتب رسالة إلى مَنْ يشاكلني ويشبهني في حبّ الكتابة واللغة العربيّة.

لا شكّ أنّنا محظوظون بوجود وسائل التّواصل الحديثة فهي لم تسمح لمشاعر الغُرْبة القاسية تستبدّ بنا وتحرقنا؛ لأنّنا ببساطة نستطيع من خلالها أن نلغي ذلك البُعد ونزيل تلك الوحشة ونلتقي بمن يشبهنا في الاهتمامات. ويبقى الأمر بيدنا باستخدام تلك الوسائل بطريقة نافعة ومثمرة.

***

لماذا كنتُ أخشى حصص الأدب العربي؟

قد تستغربُ حينما أخبرك بأنّني لم أكن أحبّ حصص الأدب في المدرسة عندما كنتُ طالبة، ولم أحبّها أيضًا عندما كنتُ معلّمة أدرّس الأدب، وكنتُ بالمقابل أحبّ النحو طالبةً ومعلّمة.

لماذا يا تُرى؟

لأن النحو واضح ومنطقي ولن يختلف اثنان على أن هذا فاعل أو ذلك مفعول، بينما الأدب يحتمل الكثير من المعاني بحسب القارئ أو المستمع، وعندما نحلّل جماليّات نصّ ما فهناك جانب ذاتي تذوّقي لم أستطع أن أسيطر عليه وأعرف حدوده لذلك كنت أشعر بالقلق من أنّ إجابتي صحيحة أو أنّ شرحي سليم.

بالتأكيد هناك عوامل أخرى شخصيّة قد شاركت في تكوين هذا الموقف من الأدب العربي لا داعي لذكرها هنا.

***

أخشىى حصص الأدب لكنّي أحبُّ الأدب 🩶

وما سأذكره هنا قد يكون أغرب ممّا ذكرته في الفقرة السابقة، وهو أنّي أحبّ اللغة العربية بأدبها ونحوها واستمتع بكل ما فيها، هذا ما اكتشفتُه عندما تحرّرتُ من فوبيا "الإجابة الصحيحة" عندما كنتُ طالبة أو معلّمة.

أدركتُ أنّي أعشق الأدب والشّعر، فلا يكاد يمرّ بي نصٌّ رفيع إلّا ومنحتُه -تلقائيًّا- عنايتي من ملاحظة النحو والصّرف ومواطن الجمال فيه، وهذا ما حصل مع البيت الذي صدّرتُ به هذه النّشرة.

فلمّا تمثّلتُ به وكررتُ إنشاده تساءلتُ عن سبب تأثيره في النّفس، فما كانت إلّا وقفة حتى بدتْ لي محاسنه، كما أراها.

***

تأمّلاتي في البيت

أوّل ما خطر لي عند قراءة البيت هو أن هذا البيت زفْرةٌ حرّى، وبحثتُ عن سبب ذلك الإحساس فوجدتُ أن المدود آخر البيت في قوله: لا يشاكل، تساعد في مدّ النّفَس وتعطي شعور الزّفرة وهي النّفس الطويل، ومعنى كلمة زفر زفيرًا: أخرج نفسَهُ بعد مدّه إياه. المعجم الوسيط

لم يكن إشعاع تلك المشاعر من البيت نتيجة إيقاع الكلمات والمدود فقط بل وزْن البيت أيضًا، فالبيت من بحر الطويل، ويذكر شوقي بزيع في مقالة ممتعة ثلاث دلالات لإيقاع بحر الطويل اخترتُ منها ما يُناسب المقام، وهو قوله: 

ولعل ما يعطي للبحر الطويل مكانته التفضيلية بين نظرائه، ليس ناجماً عن طوله اللافت الذي يشي به النعت فحسب، بل عن كونه الأقدر على صهر الشحنات الوجدانية والتأملية للشعراء، في بوتقة إيقاعية شديدة المرونة والتنوع والانسياب الصوتي. ففي تفعلتيه المتعاقبتين ما يتسع لانقباض النفس وانفساحها وأنينها، وما يواكب تطلعها المثلوم بالشكوك إلى المستقبل، أو التفاتاتها المتحسرة إلى أطلال الماضي.

البحر الطويل يرافق الشعراء العذريين في براري الفقدان

***

الملحظ الثاني في جماليات البيت لاحَ لي في الطّباق في بعض الكلمات، والطّباق هو ذكر الكلمة وضدّها، وهو يقوي المعني بسبب وضع النقيضين أمام عينيك، فكلمات: بُعد وقرْب، ثم غرْبة و"يشاكله"، تزيد من بون المسافة بين الحالتين وتعمّق المعنى في النّفس.

ملاحظة

يبدو لي أن كلمتي غربة ويشاكله ليست طباقًا تمامًا، ولكنّي شعرتُ بوقوع الكلمتين على طرفي المعنى وتضادّهما، ولستُ متأكّدة من أنّها يسري عليها اصطلاح الطّباق. يبدو أنّني سأعود إلى كتب البلاغة وأخبركم بالمزيد عن الطّباق وأحكامه، ربّما في عدد مقبل.

***

سؤال الإعْراب ✏️

قبل الوقوف مع النحو والإعراب أريد أن أطلب منك أن تقرأ البيت مضبوطًا بالشّكل وتعطيه حقّه من أداء المعنى:

وما غُرْبَةُ الإنسانِ في بُعْدِ دارِه ،،، ولكنّها في قُرْبِ مَنْ لا يُشاكلُ

والآن سؤالُ الإعراب

س: بيّن سبب ضبط الكلمات في البيت: غربةُ، الإنسانِ، يُشاكلُ.

توضيح للسؤال: لماذا ضبطنا آخر "غربة" بالضمّة، وآخر "الإنسان" بالكسرة، وآخر "يشاكلُ" بالضمّة.

ملاحظة: أن تذكر سبب ضبط الكلمة يعني أن تعربها، وستجدُ الإجابة في العدد القادم بإذن الله. وإلى ذلك الحين شاركنا الإجابة في التعليقات.

***

هديّة مجّانيّة 🎁

أنا أدرّب على كتابة المقالات والتّدوينات؛ فإن كان لديك مقالة أو تدوينة تشارك فيها قصّتك أو خبرتك أو ما تتعلّمه وتريد تقييمها، فأنا أقدّم لك هديّة تقييم التدوينة مجّانًا.

تحتوي الهدية على ثلاث وقفات: 

  • موطن القوّة في نصّك.
  • ما يحتاج لتحسين.
  • نصيحة.

ارسل لي تدوينة في حدود ٣٠٠ كلمة على بريدي الإلكتروني [email protected]

انسخ العنوان البريدي حتّى لا تقع في خطأ النّقل.

حياة طيّبة أرجوها لكم، وأراكم الجمعة القادمة بإذن الله 🍃

Nada Abbasولاء عبد الرحمن2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة ما قلّ ودلّ

نشرة ما قلّ ودلّ

حول الكتابة والتّدوين والّلغة

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة ما قلّ ودلّ