عضة أسد ولا نظرة حسد🦁🧿| نشرة أصباح وأمسية البريدية - العدد #11

بواسطة أصباح وأمسية #العدد 11 عرض في المتصفح
صباحُ الخير 🌅 كل عام وأنتم بخير😍 وجمعة مباركة .. هذا العدد مليءٌ بالتساؤلات ودعوى للوقوف والتأمل..

"عضة أسد، ولا نظرة حسد" قالتها إحدى قريباتي وهي تصف معتقدات جارتها المهووسة بتفسير ما تعجز عن تفسيره برده للعين والحسد، وبعد حوار طويل من الشد والجذب لأطراف المقولة وتنظيرنا عن معتقداتنا الشخصية عن العين والحسد وتكرار نفس السياق الذي نكرره دائماً عندما نبدأ الحديث عن هذا الموضوع؛ بتقديم أدلة علمية تدعم أو تنفي، وأخرى دينية توثق، وأخرى شخصية تؤكد، انتهى حديثنا نهايةً معتادة، أن يذهب كل شخص بقناعاته الخاصة المتراكمة والمعقدة والتي تعنيه بشكل فردي كشخص يمارس حريته الكاملة لاختيار قناعاته الفكرية .

إلا أن المقولة ضلت تدندن بصوت رتيب ونمطي في رأسي، "عضة أسد ولا نظرة حسد .. عضة أسد ولا نظرة حسد " والحقيقة أنها كانت مقولة مثيرة للابتسامات! عندي وأحياناً تجعلني أضحك بصوت مسموع بيني وبين نفسي من كمية البيان اللغوي فيها! وأبدأ بالتعليق بإعجاب "سجع وتشبيه بليغ في وصف المعنى"!

هل نستهين بعضة الأسد لأنه لا يعيش في منطقتنا العربية؟ أم لأننا لا نستوعب مقدار ألمها مقارنة بالعين والحسد؟ أم ربما العين هي إحدى فزاعات الإنسان العربي المرعبة التي تشكل جزءاً كبيراً من شخصيته ومعتقداته!

العين والجن والحسد وصحتنا النفسية

بودكاست مع هبة حريري

وظللت أتعامل مع العبارة المتكررة بتغافل وتجاهل كما أدعي، فقد تركتها تعمل كما تعمل أغنية مألوفة عالقة في رأسي، وبعد فطنتي لمحاولاتي الكثيرة لتجاهلها، أدركت وقفاتي التأملية عندها، فكعادتي تضل الأفكار الشبيهة بها بالإلحاح عليّ كطفل صغير لا يمل ولا يكل، أعلم حينها أنها تريد أن تعبر عن نفسها، هكذا تخبرني معظم أفكاري برغبتها بالصعود أو الطفو أو الظهور. 

وبالحديث عن العين والحسد كشعور معاصر مدسوس رغماً عنه في حياتنا المليئة بالمستحدثات السريعة والتطور التكنولوجي، يبدو الأمر أكثر من مجرد "وسواس العين الحسد" النمطي المعروف لدينا جميعاً، فقد صارت معتقدات وقرارات الفرد تعاني الأمرّين، وتخيل معي صعوبة المرحلة؛ بين جاذبية الرغبة في استعراض تفاصيل تفاصيل اليوم ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتفاخر بها أو عرضها لأسباب نفسية تارة، وبين المعتقد المورث والمتأصل في منطقتنا العربية "الخوف من العين والحسد" الذي يمنع كل ذلك! 

كلا الفعلين يمتلك قوته الخاصة، والمهيمنة، ولكنهما تشدانك في اتجاهات متضادة، وبين القوتين هناك ضحية تعاني وتتوه وتتمرد على أحدها وتنحاز للأخرى في الوقت ذاته، لابد من المقاومة، مقاومة الشعور وإرضاء النفس أو الضمير. ولو تخيلنا أن تلك المشاعر عبارة عن إنسان، مشدود بين حبلين حبل عن يمينه وحبل عن يساره، يحاول أن يستعرض بعضاً مما لديه تارة ويحاول الكتم عما لديه تارة أخرى لأصابنا الدوار والانهاك والتشتت، فمابالك بالقناعات والرغبات والمشاعر التي يصيبها كل ذلك عندما تقع بين الأمرّين؟! 

لذا وجب علينا حلها بطريقة عصرية مناسبة لفيزياء العصر، فلم تعد عبارة " عضة أسد ولا نظرة حسد" هي القاعدة الرادعة التي تمتلك الأولوية في معظم القرارات، إنما صارت طرفاً في معادلة النزاع، ونصفها الآخر "لا أحد أحسن من أحد"!

لاستعراض تفاصيل الحياة دوافع كثيرة، ومن الصعب الخوض فيها جميعاً واحدة واحدة، لكن يعود أصل الدوافع للتطرف المضاد من مشاعر الخوف من العين والحسد، فإذا كان الاستعراض دافعه "أنظر إليّ" فالخوف من العين والحسد دافعه "لا تنظر إليّ" والعبرة تكمن بالبحث خلف الدافعين، ما أسبابهما؟

وأجزم أننا سنجد الكثير! سنتعرف على أنفسنا أكثر ونفهمها أكثر، ونعمل على تقوية أماكن الضعف أكثر.

يمكننا بطرح هذه الأسئلة تسليط الضوء على الكثير من شوائبنا النفسية والوقوف عليها، هل الاستعراض هو نوع من أنواع "وهم الإنجاز"؟ هل يحتاج إلى علاج؟ أم هو نوع من أنواع نشر الفن؟ فيحتاج إلى أن تتعلم "انشر فنك"؟ 

ماذا عن الخوف من الإصابة بالعين والحسد؟

هل نحتاج تعلم كيفية التفريق بين ما ينشر حقاً وما لا يحمد نشره؟ حفظ الخصوصية وتمرين عضلة وضع الحدود فلا نترك ثغرات لتدخلات الآخرين الذين لا يعنيهم شيئاً من أمرنا؟

ألا نعرض نقاط ضعفنا للعامة فيتم استغلالها بسبب سذاجتنا؟

أم يحتاج الأمر بعضاً من مراجعة إيماننا بثوابت اليقين وحفظ الله لنا؟

هل الأمر أعمق من هذه النظرة وهذه الفكرة؟

كم مرة مرّ عليك مثل هذا الشعور؟ وكم مرة رأيت معادلة النزاع هذه؟ شهوة الاستعراض أم الخوف من العين والحسد؟

مشاركة
نشرة أصباح وأمسية البريدية

نشرة أصباح وأمسية البريدية

عن الحياة، الوالدية، والمواقف الشعورية! لا بأس أن تقرأها مع تسرب خيوط الشمس الأولى فلربما تلهمك! نسمات الليل الهادئ فلربما تطمئنك! ولا تنسَ أن تحتسي مشروبك المفضل معنا 😉

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة أصباح وأمسية البريدية