الكتابة كآلية للبقاء، هل يمكن أن تحمينا الكتابة من الأمراض؟🛡️🧠 نشرة مرجع التدوين البريدية - العدد #10

بواسطة مرجع التدوين #العدد 10 عرض في المتصفح
"أُكتب، ففي الكتابة حياة📝"

مدخل، مخاوفي من الانقطاع عن الكتابة

لا أنكر تذبذب دوافعي للاستمرار في الكتابة بين يوم وآخر، ولا أنكر مخاوفي في أن أنقطع عن الكتابة ذات يوم، حين لا يزورني الشغف أو الإلهام، أو حين لا أجاهد قلمي وأرغمه على الكتابة، لأني أعلم أن العودة إليها - وفقاً لتجربة سابقة مررت بها - سيكون منهكاً حد اليأس من عدم القدرة على استرجاع قدرتي على رصّ الجُمل للتعبير عن فكرة أو شعور يختلجني، وفي خضم تأملي المتوجس من اعتمادي أحياناً على الرغبة والشغف للكتابة، استوقفتني عبارة قرأتها بالصدفة :"اعطِ عقلك عملاً ليقوم به، وإلا فإنه سيجد عملاً آخر ليمارسه، وقد لا تحب هذا العمل الذي سيخترعه"

الكتابة كآلية للبقاء والنجاة:

لوهلة تساءلت، هل يمكن أن تكون الكتابة عملاً حتميّاً مفروغ منه بدلاً من أن تكون خياراً خاضعاً لمزاجية صاحبها وانتظاره للشغف أو الإلهام، أو حتى استمراره بالكتابة من باب التمرس؟

وهذا ما جعلني أكمل قراءة المقال الذي كتبته "سالجي فالدين" فبعد الكثير من جلسات العلاج النفسي أدركتْ سالجي حقيقة واحدة تمنحها إياها ممارسة هواية الكتابة، حيث كتبت في مقال لها: "الجري والكتابة ليسا مجرد وصفة لحياة سعيدة ومرضية؛ إنها آلية للبقاء، وطريقة للحفاظ على سلامتي العقلية وسلامة الآخرين من حولي."

هل فكرت يوماً، في الاستعانة بنشاط محدد لتحافظ على علاقاتك الأسرية، المهنية، وصحتك النفسية والعقلية من التدهور؟ والأهم أن يكون هذا النشاط نجاتك من مرض محتم، أو طريقة للبقاء على قيد الحياة؟

وبينما كنت أقرأ ما كتبته "فالدين" عن تجربتها مع الكتابة ورياضة الجري كنشاطات منجية من الفراغ المسبب لمشاكل نفسية وعائلية في حياتها، تذكرت مقالة أخرى كانت تتحدث عن استعانة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى بالكتابة إلى جانب القراءة لرفع معنوياتهم ونفوسهم المثقلة والممتلئة أثناء الحرب، فبعيداً عن انتظار الشغف كانت الكتابة خلاصاً ونجاة بالنسبة إليهم؛ حيث كتب العديد من جنود الجبهة الأمامية في الجيش البريطاني قصائد شعرية كُتبت بأقلام الرصاص و الحبر، وكانت هذه الكتابة -في وضعهم- شكلاً من أشكال العلاج النفسي بالتوثيق والتواصل مع أهاليهم.

ومع بعض البحث عن تأثير الكتابة على حياة الكثير من الأشخاص المشخّصين بالمشاكل النفسية من قلق وتوتر وصولاً للاكتئاب أو الإصابة بالألزهايمر خلصت نتيجة بحثي إلى أن معظم الدراسات الأخيرة قد وصلت لنتيجة واحدة: بينما يتعامل الكثير من الكُتاب مع الكتابة كأداة للتعبير، للعمل، كهواية، أو لتحسين إنتاجيتهم، يتعامل آخرون معها كعقار منجٍ من الأمراض!

الكتابة والاكتئاب:

تحكي الكاتبة "جيسيكا لوري" عن تجربتها الشخصية، كيف أنقذتها الكتابة وتأليف الرواية من الاكتئاب وتدهور حياتها، وكيف استطاعت أن تعود للحياة مجدداً بمعنويات أعلى.

وتقول في مقال لها: "أسميت عملية التشافي هذه بـ"إعادة كتابة حياتي"،.. حيث كنت آخذ أحداثًا حقيقية وأعيد توظيفها لتناسب السرد الخيالي للرواية، قوة هذه العملية كان له وقع تحولي في حياتي؛ حيث تتيح لك كتابة الروايات أن تصبح متفرجًا على أمواج حياتك المتلاطمة بدل أن تغرق فيها، وهذا يعطيك شكلاً لأفكارك المزدحمة، يضفي التعاطف على طريقة تفكيرك وتحليلك، ويسمح لك بتنمية شعور الرأفة والتقاط الحكمة من خلال النظر في دوافع الآخرين".

أما في وطننا العربي فتثرينا الكاتبة وفاء خالد والتي بدأت تدوين يومياتها مع الاكتئاب ومشاركة نصائح تساعد في تجاوزه، وبعدها حوّلت هذه التدوينات إلى كتابٍ مختصر كمنهجية للتعامل مع الاكتئاب بعنوان "حين تصبح الأيام أصعب

رغم أنه يسرّك أن تفكّر ككاتب، بأن الجزء الأكبر من حياتك هو سعيٌ وراء العمل الذي يمتصّك بالكامل، إلا أنني أفكر - أحياناً - بأن قدْراً كبيراً من حياتي، ربما، هو بشكلٍ جوهري: سعيٌ للتحرر من القلق. استغراقي في كتابة السرد، خصوصاً إذا كانت الكتابة تسير على نحوٍ جيد، يُبعد عني قلق العالم كله. 

ميغ واليتزر- كتاب لماذا نكتب

الكتابة كوسيلة سهلة لجلب السعادة:

يرتبط شعور الإنجاز بعد الكتابة، بالقدرة على لمس نتيجة مباشرة عن طريق تفاعل الآخرين معنا، أو تجسيد مرئي لتفاعلنا مع أنفسنا عبر الكلمات، بالنسبة لي هذا ما تفعله الكتابة بينما لا يفعله أي نشاط آخر، فقراءة ما أكتب بعد تنقيحه وتهذيبه، يشبه نحت منحوتةٍ فنية، تتميز بالوضوح وتحمل معنى عميقاً يعبر عني وأستطيع في ذات الوقت عرضها على شريحة واسعة من الجمهور ليفهمها، إلى جانب سهولة مشاركتها، تظل الكتابة أداة سهلة وعميقة قابلة للاستخدام في معظم الظروف المحيطة، وهذا يجعلني أجد طريقة ناجحة لرفع هرمونات السعادة والإنجاز بأبسط الأدوات.


من هنا، تبدو فكرة الكتابة والاستمرار في ممارستها بمختلف أنواعها، فكرة صحيّة للغاية، وبهذا يظهر دافع جديد مفروض ومُلِح لدى بعض الكتاب، مناقضاً لدافع المتعة أو الهواية كسبب كمالي يدفعنا للكتابة متى أردنا أو متى سنحت لنا الفرصة أو حسب حالتنا المزاجية، هذا الدافع المُلِح يخلص بفائدة إضافية للكتابة، وهي أنها بمقدورها أن تمنح إحساس السعادة الفوري، تقي من الأمراض، أو في أخطر الحالات، أن تعالجنا!

ماذا عنكم، هل تكتبون كحاجة ملحّة أو كهواية ورفاهية؟ 

كتابة وإعداد: إيمان السقاف
مراجعة عامة: أحمد قربان

***

لقراءة الأعداد السابقة من النشرة البريدية:

تجربة افتراضية لتطبيق نظرية "موت المؤلف"🔍🧐
انعكاسات ثقة الكاتب على القارئ🪞📖
لماذا نكتب؟ دوافع الكتابة ومكاسبها الفردية والمجتمعية📝

للإعلانات:

[email protected]

ReemBothaina Alyousef2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة مرجع التدوين البريدية

نشرة مرجع التدوين البريدية

نشرة أسبوعية تهم المدونين والقرّاء وكل من يود أن يبدأ الكتابة. نشارك بها مواضيع متنوعة عن الكتابة والتدوين، الأفكار والخيال، والتجارب الملهمة لأقلام الكتّاب.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة مرجع التدوين البريدية