كيف يشكل عملك شخصيتك؟ - العدد #13

كيف يشكل عملك شخصيتك؟

هل فكرت يومًا كيف يمكن لعملك أن يُعيد تشكيل طريقة تفكيرك،أسلوب حديثك،وحتى طريقة تفاعلك مع الآخرين؟

قد يبدو الأمر بسيطًا في البداية،لكن عندما تتأمل الأمر بعمق أكثرستدرك أن حياتك المهنية ليست فقط مهام تنجزها يوميًا،بل هي قوة مؤثرة تُعيد تشكيلك،سواء شعرت بذلك أم لا..في الغالب لاتشعر بذلك ويلاحظونه الناس المحيطة بك أكثر.

الأسبوع الماضي كنت برفقة إحداهن دار بيننا حوار وألهمني لكتابة هذه النشرة:.هكذا كان الحوار:

قبل هذا كنت ألاحظ في كل إجتماع عائلي اختلاف الشخصيات بين الأبناء بإختلاف عمل الأب فالتأثير لايكتفي بالشخص وحده بل حتى يمتد إلى بقية أفراد عائلته..

بدأت مرحلة البحث وتقصي المعلومات وإجابة التساؤلات فاكتشفت مفهوما يدعى " التداخل بين الحياة والعمل"

لنكتشف معا هذا التأثير سويا:.

التأثير المهني على الشخصية أو ما يُعرف أحيانًا بـ”التداخل بين العمل والحياة”هو ظاهرة نفسية وسلوكية معقدة تُظهر كيف يمكن للمهن أن تُعيد تشكيل شخصية الإنسان،طريقته في التفكير،أسلوبه في التواصل،وحتى نظرته للحياة..

" أسمعك وأنا تهمس لنفسك عزيزي القارئ قائلا: يوه مو لهالدرجة نتغير من شغلنا" بل إلى هذه الدرجة وأبعد بشكل لايمكن تصوره وحتى تخيُله..

فهذا التداخل ليس مجرد نتاج لتكرار السلوكيات بل تعبير عميق عن العلاقة بين الهوية والعمل،وكيف يمكن للإنسان أن يصبح امتدادًا لما يفعله يوميًا…يالله بالنسبة لي ألاحظ هذا التغير وأتقبله وأحبه جدا🧡🧡

لنذهب قليلا للتجارب والقصص في هذا الموضوع:. 

.ديفيد أوجيلفي المعروف بـ”أبو الإعلانات”كتب كتابًا يُظهر كيف أثرت حياته المهنية على طريقته في التفكير والعيش.

في الكتاب، يتحدث عن كيف أن عقله لم يتوقف أبدًا عن التفكير الإبداعي بشكل تلقائي أثناء الأنشطة العادية،يذكر أيضا كيف أصبحت الإعلانات جزءًا من كل لحظة في حياته اليومية "تحمست اقرأ الكتاب"

أما في كتاب "كيف نفكر" لجيروم برونر يروي لنا عن طبيب الأعصاب الذي يفسر كل سلوك يراه أمامه بطريقة طبية بحتة "لايستطيع إغلاق عقله الطبي ولو للحظة"

وتجربةالروائيةجيكيرولينغ التي ذكرت في مقابلة لها  أنها عندما كانت تكتب سلسلة “هاري بوتر”أصبحت ترى عناصر قصتها في حياتها اليومية،فكانت ترى في الأطفال الذين يركضون في الشارع شخصية “هاري”وفي المكتبات ترى “هيرميوني”حتى أن نادلًا في أحد المقاهي ألهمها شخصية فرعية في إحدى رواياتها.. "بصراحة شيء يحمس جدا" أتمنى تجربته يوما"

ماذا عن كاتبتي المُفضلة إليزابيث جيلبرت؟

إليزابيث تحدثت عن تجربتها الشخصية في إحدى مقابلاتها حيث ذكرت أن شخصيات رواياتها كانت تعيش في عقلها حتى بعد الانتهاء من الكتابة..

وتتحدث لأصدقائها عنهم في كل مرة وكأنهم شخصيات حقيقية وليس وحي خيال "يالهذا الخيال كم أحبه"

ماذا عن الجذور النفسية للتأثير المهني؟ 

•الهوية والعمل:

في علم النفس الاجتماعي، يُنظر إلى العمل كواحد من أكبر محددات الهوية الفردية فعندما يقدم شخص نفسه، عادةً ما يعرّف نفسه بما يقوم به (أنا كاتبة إعلانات، أنا طبيب) ووو هذه العلاقة بين العمل والهوية تجعل المهارات والسلوكيات التي تُكتسب في العمل تتداخل مع الطريقة التي يدرك بها الشخص ذاته.

•التعلم العميق والعادات:

وفقًا لنظرية التعلم العميق،عندما يتم تكرار سلوك معين بشكل مستمر في بيئة العمل، فإنه يصبح محفورًا في الجهاز العصبي للإنسان،ما يؤدي إلى تحوله من مجرد مهارة مكتسبة إلى نمط سلوكي طبيعي.

كيف يظهر التأثير في الحياة اليومية؟

1.التأثير اللغوي والسلوكي

لأشخاص يعملون في مجالات تعتمد على التواصل المؤثر (مثل كتابة الإعلانات، التدريس، أو العلاقات العامة) غالبًا ما يجدون أنفسهم يتحدثون بأسلوب يعكس خبرتهم المهنية..

قد يكون ذلك على هيئة:

•أسلوب إقناع مباشر وغير واعٍ.

•التركيز على التفاصيل الدقيقة مثل اختيار الكلمات أو ترتيب الأفكار.

•الميل إلى تبسيط الأفكار أو شرحها بشكل مبسط.

2. الإدراك والتحليل

الأفراد الذين يعملون في مجالات تتطلب التحليل (مثل الأطباء، المحللين الماليين، أو علماء النفس) يتبنون طريقة تفكير تحليلية في حياتهم اليومية على سبيل المثال: •الأطباء يرون الأعراض في كل موقف يومي.

•المحللون الماليون يفسرون كل قرار من منظور المخاطر والعوائد.

3. العواطف والتفاعل

•المهن العاطفية مثل العمل في مجالات الصحة النفسية أو التعليم تؤثر على طريقة استجابة الأفراد للعواطف في حياتهم فمثلا قد تجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم يقدمون الدعم أو النصيحة دون وعي ودون طلب.

لننتقل إلى النظريات والدراسات -نظرية الاندماج المهني (Professional Identity Integration):

تشير هذه النظرية إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بارتباط عميق مع مهنتهم يصبحون أكثر ميلًا لدمج سلوكيات العمل في حياتهم اليومية وبدراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018 وجدت أن الأفراد الذين يرون عملهم كجزء من “رسالتهم الشخصية” هم الأكثر تأثرًا وتأثيرا..

التكيف العصبي المهني:في دراسة نُشرت في مجلة Neuroscience Research عام 2020، تبين أن الأشخاص الذين يكررون أنماطًا محددة من التفكير أو السلوك (مثل التفكير الإبداعي لدى الكُتّاب أو التفكير التحليلي لدى العلماء) يظهر لديهم نشاط متزايد في مناطق الدماغ المسؤولة عن تلك الأنشطة،مما يجعل هذه الأنماط جزءًا دائمًا من تفكيرهم "ياساتر"

صدق أرسطو حين قال:.  “ما نكرره يصبح نحن”

دار في ذهني سؤال وهو " نحن نتأثر بعملنا شئنا أم أبينا لكن هل من هذا التأثير ايجابي أم سلبي؟وكيف نجعله إيجابي خالص إذا كان هناك احتمالية للإيجابيات والسلبيات معا؟

بحثت قليلا:.

1. الإيجابيات:

•تعزيز الهوية:

عندما ينعكس العمل على الشخصية، يمكن أن يمنح الإنسان شعور بالفخر والانتماء. مثلا الكاتب الذي يجد أسلوبه الإبداعي ظاهر في محادثاته اليومية يشعر بأن مهنته تضيف قيمة لذاته وفعلا هذا ماشعرت به..

•تحسين المهارات الاجتماعية:

الأشخاص الذين يعملون في مجالات تواصلية (مثل التسويق أو الإرشاد) يطورون مهارات تجعلهم أكثر تأثيرًا وجاذبية في حياتهم الشخصية " ياسلام الصدق"

2. السلبيات بس ممكن نقول التحديات؟ايه ممكن أكيد

•فقدان التوازن:

إذا أصبحت حدود العمل والحياة الشخصية غير واضحة، قد يؤدي ذلك إلى إرهاق عاطفي وعقلي مثلا:. المعلم الذي يجد نفسه يُعامل أصدقاءه أو أسرته كطلاب يحتاجون إلى التوجيه " هذه رأيتها بأم عيني مع عمي المعلم"🤣

•تشوه الهوية الشخصية:

عندما يُعرّف الإنسان نفسه بشكل كامل من خلال عمله، قد يفقد توازنه عند مواجهة أي تغيير مهني (مثل التقاعد أو تغيير الوظيفة) " احاول أفهمها أكثر ..

• الضغط الاجتماعي:

فممكن الناس ماتتقبلك بشخصيتك العملية الدقيقة…

أخيرا تأثير المهنة على النفس من الأمورة العجيبة التي تدعونا للتأمل والتفكر ففيها يُظهر كيف ترتبط الهوية بالعمل ارتباط قويا،فتُعيد تشكيل النفسِ بما تحمله من مهاراتٍ ومعانٍ.

وقد يُخيل لك أحيانا أن هذا التداخل تشويهٌ لصفاء الطبيعة الإنسانية،ولكنه في حقيقته شاهدٌ على ما أودعه الله في الإنسان من قدرةٍ على التكيّف مع ما يصنع، والتماهي فيما يُمارس،و السر في الحكمة أن نصرف ما نكتسبه من العمل إلى رفعة حياتنا وسموّها،لا أن نجعله حِملاً يثقل كاهلنا ويقيد حريتنا..

وسلامتكم❤️