الأدب والفلسفة. |
بواسطة هيفاء صالح • #العدد 8 • عرض في المتصفح |
الأدب والفلسفة: عندما تصنع القصص فلسفات عميقة..
|
|
الأدب والفلسفة حوار دائم بين العقل والروح،فالفلسفة تسعى لفهم الحقيقة عبر التفكير المجرّد بينما الأدب يُحوّل هذه الأفكار إلى مشاهد حية تُحرك الشعور وتُثير التساؤلات،و عندما يجتمعان معا تولد تجربة إنسانية تمنحنا القدرة على استيعاب أعقد الأفكار عبر القصص التي نتعايش معها… |
هنا بعض أشكال وصور الأدب العالمي التي ارتبطت بالفلسفة ارتباطا عميقًا:. |
"البحث عن الزمن المفقود”: مارسيل بروست |
في مقهى صغير بباريس، يتذوق مارسيل بروست كعكة “المادلين” المغموسة بالشاي،فتتدفق عليه ذكريات الطفولة بشكل غامر هكذا تبدأ رواية“البحث عن الزمن المفقود”، واحدة من أعظم الروايات التي تناقش العلاقة بين الزمن والذاكرة. |
بروست يقترح أن الزمن ليس خطيًا كما يعتقد العلماء، بل شبكة متشابكة من التجارب والانطباعات واللحظات الصغيرة،كطعم المادلين الذي حمل معه الكثير من ذكريات طفولة مارسيل.. |
كم مرة شعرت أن الوقت يمر بسرعة؟ أو أنك تشتاق للحظات لم تعد موجودة؟ مارسيل بروست في “البحث عن الزمن المفقود” يخبرنا بأن اللحظات الصغيرة،مثل نكهة طعام محبب أو رائحة عطر،هي مفتاح لاستعادة الزمن الذي نظن أننا فقدناه.. |
وبالتأكيد عادت إليك إحدى ذكرياتك القديمة من خلال رائحة معينة أو مكان محدد..أو حتى أن تسمع أغنية قديمة فتعود ذكريات طفولتك دون سابق إنذار.. |
علم الأعصاب يدعم هذه الفكرة بدراسة في جامعة هارفارد (2018) أظهرت أن 60% من الذكريات تُستحضر بفضل محفزات حسية، مثل الروائح أو الأطعمة، وهذه الرواية كانت وسيلة لفهم كيف نعيش الزمن ونحفظه. |
ديستويفسكي " أوووه هنا سأسكت قليلا"في “الجريمة والعقاب” |
يأخذنا ديستويفسكي إلى سانت بطرسبرغ مدينة يغلفها البؤس وتملأها التناقضات الاجتماعية فيها نلتقي بروديون راسكولنيكوف، الطالب الذي يُبرر قتله للمربية العجوز بمفهوم فلسفي: “يحق لأصحاب العقول العظيمة أن يتجاوزوا الأخلاق العامة إذا كان ذلك في مصلحة المجتمع” "ياربي ضحك بس صدق وش يحس فيه!"طيب هي رواية لاتشدينها🏃🏻♀️ |
هذه الفكرة تتناغم مع فلسفة النفعية التي تؤكد أن الأخلاق تعتمد على النتائج،لكن ديستويفسكي لا يتركنا هنا فهو يعري راسكولنيكوف أمام نفسه ليُظهر أن الفعل مهما بُرر عقليًا لا يمكنه الهروب من محكمة الضمير وما أدراك ما محكمة الضمير! |
أحد النقاد وصف الرواية بأنها “أعمق دراسة نفسية في الأدب العالمي”إذ تكشف عن صراعات الإنسان بين عقله وضميره، بين ما يريد وما يخاف أن يكون… |
كم مرة وجدنا أنفسنا نحاول تبرير قرار صعب؟ ربما نتخذ قرارًا يبدو “صحيحًا” منطقيًا لكنه يترك أثرًا ثقيلًا على ضمائرنا،مثل راسكولنيكوف في “الجريمة والعقاب”، الذي برر جريمته بالمنطق لكنه واجه قسوة الشعور بالذنب. |
نحن أيضًا نواجه هذا الصراع بين العقل والضمير…ويبقى تساؤل ديستويفسكي: هل الغاية تبرر الوسيلة؟تساؤلًا نعيشه في كثير من اللحظات والمواقف.. |
دراسة أُجريت في جامعة أكسفورد عام 2021، حللت تأثير قراءة الروايات النفسية، ووجدت أن 68% من القراء يشعرون بتغير في طريقة تفكيرهم بعد قراءة أعمال مثل ديستويفسكي،حيث تجعلهم أكثر وعيًا بتعقيدات القرارات الأخلاقية… |
“الغريب”: عبثية كامو والجزائر كشاهد على الفلسفة:. |
في شواطئ الجزائر المشمسة، يروي ألبير كامو في روايته “الغريب” قصة ميرسو، الرجل الذي يعيش بدون إحساس بالمعنى أو الالتزام "تخيل تكون بدون أي إحساس"أوه تخيُل مزعج" |
ميرسو يقتل رجلاً، لا بدافع الغضب أو الانتقام،بل بسبب “وهج الشمس”🙄 |
وبعد محاكمته، لا يُدان فقط على جريمته، بل على كونه لم يُظهر الحزن عند وفاة أمه…" وصلت لهالدرجة! " اي نعم عزيزي القارئ بس تذكر هي رواية 🙂 |
كامو هنا يجسد فلسفة العبث: الحياة بلا معنى، والإنسان مطالب بصنع معناه الخاص. |
استيقاظنا اليومي، ذهابنا للعمل، والعودة مساءً في دوامة متكررة، تجعلنا نتململ من الروتين والشعور أن حياتك بلامعنى وبلا هدف ..هذا الشعور هو ما ناقشه ألبير كامو في “الغريب” |
لكن كامو يعطينا حلاً: وهو أن نصنع معاني صغيرة من أدق التفاصيل مثلا كوب القهوة الذي تبدأ به يومك، لحظة الغروب التي تأملتها دون سبب، أو حتى الضحكة البسيطة مع صديق، كلها وسائل لإيجاد معنى من أبسط الأمور.. |
تقرير لمنظمة “غالوب” أشار إلى أن 54% من الناس يشعرون بانخفاض معنوياتهم بسبب روتين الحياة،لكن إيجاد لحظات ذات معنى يومي يُقلل من هذا الشعور بنسبة 30% |
ماذا عنك هل وجدت المعنى أم مازلت تشعر بالملل والرتابة؟ |
أمير الذباب” – ويليام غولدينغفي |
“أمير الذباب”, يناقش غولدينغ النزعة البشرية نحو العنف والفوضى في غياب القيم الاجتماعية،الرواية تأخذ مجموعة من الأولاد إلى جزيرة نائية حيث يخلقون مجتمعًا صغيرًا يتحول بسرعة إلى صراع دموي. |
غولدينغ يطرح سؤالًا فلسفيًا عميقًا: هل الإنسان بطبعه خيّر أم شرير؟ وهل المجتمع هو من يصنع الخير، أم أن الفطرة البشرية تفرض عليه الفوضى؟ |
نيتشه والجبال البحث عن الإنسان الأعلى |
بين جبال سويسرا الهادئة يستوحي فريدريك نيتشه كتابه “هكذا تكلم زرادشت”. هنا، يدعو زرادشت البشر لتجاوز ذواتهم نحو مفهوم “الإنسان الأعلى”، الذي يخلق قيمه الخاصة.. |
الجبال في أدب نيتشه ليست مجرد خلفية جغرافية بل رمز للارتفاع الفكري والعزلة التي تعين على التأمل. |
وفي تجربة شخصية يذكر نيتشه أنه كان يسير يوميًا لمدة 8 ساعات في الجبال، حيث كان يجد الوحي لأفكاره الأكثر عمقًا. |
حين نتخذ قراراتنا، هل نتصرف بناءً على توقعات الآخرين أم سعياً لتحقيق ذواتنا؟ نيتشه في كتابه “هكذا تكلم زرادشت” يدعو الإنسان لأن يكون “إنسانًا أعلى”، أي أن تكون له قراراته وكلمته وموقفه.. |
وفي الحياة اليومية يظهر هذا حين نختار تخصصًا جامعيًا نحبه بدلًا من إرضاء الأسرة،أو عندما نقرر بدء مشروع جديد،رغم أن الجميع يرفض الفكرة من الأساس.. |
وفي دراسة نشرت في “مجلة علم النفس الإيجابي” (2020) أكدت أن الأشخاص الذين يتخذون قرارات تنبع من قناعاتهم الشخصية يتمتعون برضا نفسي أعلى بنسبة 45% مقارنة بمن يتبعون قرارات الآخرين |
الأدب والفلسفة في مواجهة العالم الحديث |
•تقرير اتحاد الناشرين العالميين كشف أن مبيعات أعمال ديستويفسكي وكامو ارتفعت بنسبة 40% أثناء الجائحة، حيث بحث الناس عن إجابات عميقة لأسئلتهم الفلسفية.. |
•في دراسة عن تأثير الأدب على التفكير النقدي، وجد الباحثون أن قراءة الأعمال الفلسفية الأدبية تزيد من وعي القارئ بالمفاهيم المعقدة بنسبة 70% |
أخيرا الأدب والفلسفة رحلة لا تنتهي فعندما نتأمل الروايات التي حملت مفاهيم فلسفية ندرك أن الأدب هو الوسيلة التي تجعل الفلسفة أكثر إنسانية،باريس و بين جبال سويسرا وشوارع سانت بطرسبرغ وشواطئ الجزائر، نجد تساؤلات عن الأخلاق، الزمن، والمعنى. |
الأدب لا يقدم إجابات وحسب بل يجعلنا نعيش الأسئلة و يدعونا للتفكير في أنفسنا والعالم من حولنا. |
إن كنت تبحث عن شيء يلامس عمق فكرك ويثري عقلك ويشبع فضولك، فلا تنظر إلى الأدب كوسيلة للمتعة وحسب بل كنافذة تطل على أفكار شكلت العالم الذي تعيش فيه… |
القصة هي الفلسفة التي تستطيع لمس روحك.. |
التعليقات