نشرة ياسمين العنزي البريدية - العدد #2

9 يناير 2025 بواسطة ياسمين العنزي #العدد 2 عرض في المتصفح

غالبًا؛ ذوق المَعاني القُرآنية يأتي بسبب تجرّد العبد أثناء القراءة من كلّ سبب يُوصله لمُباشرة الآية إلى القلب، كون التجرّد الشرعي يكون مُصاحبًا لعدم رؤية الحال، والعبد حين يُقبل على كلام ربّه مُحتاجًا للمعاني؛ يجد منه لذائذٌ توصله للمعالي، بخلاف الذي يعتمد على أحواله الإيمانية، أو أحواله اليقينيّة، فإنّ شهود هذه الأحوال مانعة من الانتفاع الذي يُوصل العبد لدرجة مُلامسة الآية ونفوذها إلى سويداء القلب، والتجرّد من مُطالعة الفضل؛ أكمل للعبد في زيادة دينه ، فإنّ كثرة النّظر إلى العمل الصالخ تتسبّب بانغلاق المَساعي المؤدية للفهم، فكم من مُريد للقرآن طالع تلك المَواهب بلسان: ﴿إنّما أُوتيته على علمٍ عندي﴾، فحُرم بعدها من نفوذ الآية وذوق حلاوتها، ولا شكّ أنّ الحرمان من الوصول لأنوار الآيات حرمانٌ يتكبّد مشقّته كل من ذاق طعمه ففقَده بأسباب يده، وأسباب ذنبه، والاعتماد على الحالة الإيمانية أو الحالة التعبّدية؛ غالبًا تكون سببًا لخذلان العبد من جهة انتفاعه من هذا الحال، وكان الواجب منه أن لا يركن إلى مُطالعة الفضل والهبات، ولا يركن إلى عمله وإن بدا له عملًا صالحًا، فما أكثر الأحوال الإيمانية التي نقصت واضمحلّت بسبب اعتماد العبد عليها، ومعلوم أنّ الإيمان سبيلٌ موصل لذوق حلاوة القرآن، بشرط عدم الركون إلى تلك الحالة، لذلك السبب فإنّ مطالعة الذنب ومعالجته بكثرة الاستغفار أكمل وأفضل للعبد من مطالعة حالة إيمانية يريد بها الوصول لحالة علوية، كونها منّة من الله تعالى، والعبد كلّما شاهد ذنبه؛ زاد منسوب الافتقار المحض عنده، وزادت لديه أسباب التزود والانتفاع من قراءة القرآن، نسأله تعالى أن يبصّرنا بسوءَاتنا ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين!

مشاركة
نشرة ياسمين العنزي البريدية

نشرة ياسمين العنزي البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة ياسمين العنزي البريدية

9 يناير

نشرة ياسمين العنزي البريدية - العدد #1

خمول الذّكر وعدم تهافت الألسنة بنجاح الشخص أو عمله؛ يثمر كثيرًا بعلوّ مرتبة هذا الشخص من حيث لا يدرك سبيل هذا النّجاح أو هذه الرفعة، وذلك أنّ النّفوس متقطّعة لأحوال غيرها، فإذا اجتهد العبد بإخفاء ذكره وإسكات عمله؛ تخلّص من عبء مُطالعة الآخرين، فإنّ العبد إذا أظهر عمله، وتحدّث عن خططه لكلّ أحد؛ أصابه بعد ذلك فتورًا يقعده عن المواصلة، وتثبيطًا يعجز به عن الإكمال، وهذا السِّر في قولنبيّنا محمّدﷺ : (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، فإنّ للكتمان فضيلة تعود على صاحبها بالنّفع العاجل، والعكسُ صحيح، فإنّ التحدّث عمّا باليدّ ومُشاركة الآخرين الخطط المُستقبليّة؛ يعود عليه بالتقصير غالبًا، وبالتثبيط أحيانًا كثيرة، فليس كلّ الهمُوم تُشارك، بعض الهموم العلويّة حين تُذاع؛ ترتدّ على صاحبها بوابل من الخسران والضّياع، والنّفوس ليست سواسية في مدى تلقّيها لتلك الأحوال ومُشاركتها، وهناك من إذا أشركته همّك وخططك؛ أعانك عليها في البداية، ثمّ لا يلبث إلا يعود كما كان، ولا أحد يشعر بهذا الهمّ القابع فيصدرك إلا أنت، ومن مشروعيّة كتمان الأعمال؛ أنّ صاحبها يُخلص في سرّه وينغمس في عمله أكثر من إذاعته وجهره، والمُخلص لا يشقى بإخلاصه، والصّدق يصنع أهله وإن كانوا أخفياء، ومشروعيّة كتمان الأعمال فيها ملمحٌ من ملامح الغيرة الشّريفة؛ فالسّابق للمعالي يغارعلى عمله أن يُكشف لغير أهله، وتعتريه أنفَه وعزّة أن يُشاركها مع من لا يستحقّ، وهذه الغيرة الشّريفة يعرفها أهلها، ويقصدونها فيأحوالهم كافّة، فهم في وادٍ لا يعلم عنه أحد، في عمل دؤوب مُستمر، في جهد وصبر ومُصابرة، يتذوّقون بإخلاصهم حلاوة المشقّة، المشقّة لها حلاوة يعرفها أهلها، يذوقونها بأرواحهم، يتلذذون بكلّ معنى يسيل من جهد أعمالهم، فهم في وادٍ ليس به أعين تُلاحظهم، الله وحده منيعلمهم، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستُردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فيُنبئكم بما كنتم تعملون)..