تحديات العصر الرقمي - العدد #54

بواسطة احمد ابوطالب #العدد 54 عرض في المتصفح
التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر مختلفة ولا يوجد سابق خبرة من الأجيال التي سبقتنا للتعامل مع هذه التحديات.

في الحقيقة لقد تفاجات من كم الردود والمداخلات التي وصلتني عبر الإيميل بعد النشرة الأخيرة في العدد #53 بعنوان: الإرتباك سمة العصر.

التفاعل كان كبيراً، وعبر فيه المتداخلين عن عمق المشكلة التي ناقشناه في العدد السابق. أشكر كل من تفاعل معي، ممتن لكم جداً على تواصلكم وتفاعلكم.

اليوم نكمل رحلة وصف التحديات وخصوصاً تحديات العصر الرقمي الذي نعيش فيه.

عصر جديد وتحديات لأول مرة

نحن اليوم في عالم مختلف، التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر مختلفة ولا يوجد سابق خبرة من الأجيال التي سبقتنا للتعامل مع هذه التحديات.

طبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان منذ الأزل وحتى اليوم يمكن تلخيصها في جملة واحدة: كيف يمكن للإنسان مواجهة الأخطار اليومية المحيطة به و يتجاوزها ليبقى على قيد الحياة؟

كل عصر له مخاطره الخاصة، على سبيل المثال: عندما نتحدث عن "رجل الكهف" فإن أكبر المخاطر المحدقة به هي "كيف لا يكون فريسة سهلة لحيوانات الغابة أثناء رحلة الصيد للبحث عن طعام". 

لذلك طور "رجل الكهف" مجموعة من المهارات التي تجعله قادراً (إلى حدٍ ما) على مواجهة هذا النوع من الاخطار. واستطاع أن يربي أبناءه وينقل خبراته إليهم بأن يعلمهم مهارات الصيد، والتخفي، والقوة، والصبر، وكل ما يتطلبه الفرد لينجح في صيد طعامه والعودة سالماً بعد رحلة الصيد.

قبل 20 عاماً من هذه اللحظة التي نعيشها سنجد أن كثير من التحديات لم تكن موجودة، ولم يعاني منها والديك حتى يكون لديهم آلية وطريقة للتعامل معها.

فأنت من الجيل الأول الذي يواجه تحديات جديدة كلياً على الإنسان ولم تتكون بعد خبرات يمكن تناقلها بين الأجيال لمواجهة هذه الأخطار الجديدة.

لذلك أنت تعاني اليوم من تحديات مركبة فيها مزيج من التعقيد: 

  • أولاً: مخاطر لا تدركها بوعيك الحالي لأنك تتعرض لها لأول مرة ولا يوجد سابق خبرة للأجيال السابقة للتعامل مع هذه الأخطار.
  • ثانياً: والداك لم يتعرضوا لهذه المخاطر ولم تتراكم المعارف والخبرات لديهم لمواجهة هذه الأخطار، أي أنها لم تدخل بعد إلى منظومة الانتقال الجيني بين الأجيال ليخلق قدرة فطرية للتعامل معها. 
  • ثالثاً: طبيعة هذه الأخطار لم يتم تصنيفها بعد، لأنك من الجيل الأول الذي يتعرض لهذا النوع من الأخطار، فهي غامضة عليك وعلى من قبلك.
  • رابعاً: الأخطار الحالية من نوع مختلف، لا يسبب الموت مباشرة، بل يسبب الموت البطيء. فهي لم تدخل في قائمة المخاطر الطارئة التي يجب التعامل معها فورا لأنك لم تدرك بعد خطورتها. وحينما تتعرض لها فترة طويلة تكتشف أنه لا فرصة لديك لمواجهة هذه المخاطر.

ولكن ما هي هذه المخاطر المحدقة بك بهذا الشكل؟

التحكم في انتباهك هو الخطر الأكبر

نحن مازلنا نتلمس الطريق ونحاول أن نعرف ما هي المخاطر المحدقة بنا في هذا العصر الرقمي لنبتكر طرق للتعامل معها.

نحن نواجه مخاطر على مستوى الصحة العقلية، والصحة النفسية، والصحة الجسدية، والصحة الروحية. وكل يوم تزيد هذه المخاطر. 

من خلال بحثي وتأملي في حياتي وحياة الناس لأكثر من 20 عام، وجدت أن أكبر خطر في عصرنا الحالي هو "التحكم في الانتباه".

كل ما حولك يريد انتباهك وتركيزك. فانتباهك محاصر. كما ذكرت لك سابقاً، بمجرد امتلاكك للهاتف الذكي فأنت محاصر. اعترفت بذلك أم لم تعترف. أنت محاصر.

لماذا أقول لك هذا؟ لأن أغلب يومك يمضي ردة فعل لما حولك. فأنت لا تفعل إنما تستجيب. وإليك قائمة بأهم الطرق التي يتم فيه جذب إنتباهك:

  • الترفيه - entertainment: كل الألعاب التي في هاتفك، برامج الترفيه مثل نتفلكس، وغيرها. كلها مصممة لتدعوك بأن تقضي وقت أكثر فيها.

  • الإعلانات - advertisement: كل شيء حولك يدعوك لتفعل شيء (call to action). تدعوك لتشتري أشياء لا تحتاجها، تساهم في قضايا غير مهمة. المهم أن تجذب انتباهك.

  • شبكات التواصل الاجتماعي: وهنا الكارثة التي لا نعرف بعد أبعادها، لا أحد في هذه الأرض يستطيع أن يخبرك فداحة هذه الكارثة حتى الآن على الإنسان وصحته العقلية والنفسية.

  • المؤثرين والمشاهير - influencers: يتغذى المشاهير والمؤثرين على انتباهك. لا يريدون منك شيء إلا أن تعطيهم انتباهك. وأنت تعطيهم ثمن عالي جداً وهو الطاقة التي لديك للانتباه ووقتك. وهذين صدقني من أغلى الموارد الإنسانية على الإطلاق.

  • التعريفات: تعريفات جديدة مجهزة لك. تعريفات عن النجاح والغنى والعائلة والعالم وكل شيء من حولك يعاد تعريفه بطريقة جديدة قد لا تتناسب معك.

  • التوقعات: العالم اليوم يتوقع منك أشياء مختلفة لكي تنسجم مع العصر الرقمي لكي يقبلك فيه. هذا العصر الرقمي يتغذى على  إنتباهك. فأنت يجب أن تستجيب لكل ما يقدمه لك هاتفك وفورا، لا مجال للتفكير والتأني، كل شيء مطلوب منك الآن وفورا.

هناك إدعاء أنك ستحقق السعادة المرجوة بمجرد تفاعلك مع كل هذه الطرق التي يتم فيها جذب انتباهك. ولكن في الحقيقة أنت تتحول إلى شخص شره لا يكتفي من شيء، ومشتت لا يستطيع التركيز على شيء، ولا يرضيه أي شيء.

وكل ما يدور في ذهنك هو هذا السؤال: هل من مزيد، هل من مزيد، فأنا لم أحقق السعادة بعد.

سنكمل معاً رحلتنا في العدد القادم بعنوان: السعادة وهل من مزيد؟

شاركني آراءك

أرجوا منك إذا وصلت إلى هنا أن تشاركني رأيك في ما كتبت لك هنا في هذه النشرة.

هل تتفق مع ما كتبت هنا، أم تريد أن تزيد عليه، أم تختلف معه ولديك أفكار أخرى؟

فأنت تساعدني على أن أكتب الكتاب لمساعدتك على مواجهة هذه التحديات، وكلما فهمتك أكثر كلما استطعت أن أكتب الكتاب بطريقة تساعدك حقاً.

أنتظر ردك، وأتمنى لك يوماً سعيداً.

أحمد أبوطالب

مشاركة
نظام التخطيط العبقري

نظام التخطيط العبقري

المخطط التقليدي لديه أهداف ويخطط ولكنه لا يحقق ويشعر بالقلق واللاجدوى وغير راضي عن حياته. مع "نظام التخطيط العبقري" ستتحول إلى المخطط العبقري الذي ينجز بشغف وانغماس، ولديه تركيز عالي ويعيش حالة من الرضا.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نظام التخطيط العبقري