هل تشعر بضيق وملل بشكل مستمر - العدد #48 |
5 سبتمبر 2022 • بواسطة نظام التخطيط العبقري • #العدد 48 • عرض في المتصفح |
لست وحدك من يشعر بذلك، إنه مرض العصر
|
|
إن أصعب ما في هذا العدد أنني أود ان أشرح لك مفهوماً عميقاً ومركباً دون أن أغوص في المقدمات التي تتطلب وقتاً. |
جزء من شرح هذه المقدمات سيكون موجوداً بإذن الله تعالى في كتاب "نظام التخطيط العبقري" الذي سيصدر قريباً، ولكني أود أن أشاركك بعضاً من أفكار الكتاب حتى أسمع رأيك وملاحظاتك. |
ففي النهاية أقوم بتأليف هذا الكتاب من أجلك أنت، فغايتي من هذا الكتاب أن أقدم الحلول المناسبة لتحدياتك أنت. |
لذلك؛ أتمنى منك عدم التردد أبداً بالرد على هذه الرسالة بأي فكرة أو خاطرة أو ملاحظة أو مقترح، وسأكون شاكراً ومقدراً لتواصلك. |
الفراغ الوجودي |
طريقتي في البحث في عالم الأفكار والمعارف أنني أطمح دائماً لإيجاد الفكرة التي قد تكون أفضل من الفكرة الحالية التي أتبناها. |
لدي رغبة عارمة في استكشاف معنى الإنسانية وعلاقة ذلك بالخالق والطبيعة والتي بدورها تجعلني في بحث دائم، ونقد مستمر للمفاهيم المختلفة في هذا المجال. |
ومن خلال التأمل في تحديات العصر الذي نعيشة، تظهر لي مجموعة من التساؤلات التي أحاول ان أجيب عنها بطريقة أتتبع فيها فروع المشكلة للوصول إلى جذورها. |
وهذا هو السؤال الجوهري الذي يشغلني الآن: لماذا يعيش الإنسان "فراغ وجودي" رغم أنه في قمة تطوره المادي؟ |
مشكلة التوتر والكآبة: الضيق والملل |
في رحلتي التي بدأتها عام 2014 في محاولة تطوير منهج للإنتاجية ونمو الإنسان على مستوى الفكر والعمل، تبين لي تعدد مدارس التخطيط والإنتاجية من خلال قراءتي للكتاب العالميين بمدارسهم المختلفة التي صنعوا من خلالها رؤيتهم لمفهوم الإنتاجية وطرق تحقيق الأهداف. |
وقد تبين لي أن أي مدرسة معرفية للتخطيط والإنتاجية إنما نشأت للإجابة على الأسئلة الجوهرية التالية ولكن بشكل غير مباشر: |
|
دون أن تفهم هذا الأساس فلن تستطيع أن تفهم وتفسر حالة "الفراغ الوجودي" التي وصل إليها الإنسان رغم وفرة الخيرات التي ليس لها مثيل في الحضارات السابقة على حد علمنا القاصر. |
الإنتاجية المادية: الرؤية الغربية للإنسان |
في البداية أحب أن ألفت إنتباهك إلى مجموعة من الأسس المعرفية: |
أولاً: ما هو الإنسان بحسب الرؤية الغربية؟ |
الإنسان بحسب الرؤية الغربية هو كائن مادي بسيط ذو بعد واحد. فلا مكانة خاصة له في الكون، فهو لا يختلف في تركيبه عن بقية الكائنات. عبدالوهاب المسيري |
وبذلك تحرك الإنسان إرادتين: |
ثانياً: ما هي غاية وجوده؟ |
غاية وجود الإنسان: الإستهلاك، فهو ليس إلا حيوان اقتصادي. |
ثالثاً: اذا كان الإنسان يسعى للكمال، فما هو الكمال وكيف يحققه؟ |
يكمل الإنسان بحسب الرؤية الغربية من خلال تحقيقة الكامل لإرادة اللذة والقوة من وجهة النظر الإقتصادية الرأسمالية: |
|
دوامة لا نهائية: هل من مزيد |
بذلك لا يمكن للإنسان الخروج من هذه الدوامة التي تفرض عليه طلب المزيد يومياً بلا توقف. |
فهو يطلب العلم والشهادات بلا توقف لكثرة المتنافسين، وهو يطلب ترقي السلم الوظيفي بلا توقف في صراعة مع المتنافسين، وهو يريد تلك السيارة، وذلك البيت، ويخطط للسفر لتلك الدولة، ظناً منه أنه يحقق اللذة، وذلك يتطلب منه العيش في دوامة لا نهائية دون توقف. |
بذلك يريد ان يحقق إرادة اللذة والقوة التي تتجلي بوجود المال والشهرة والسلطة. بلا توقف. |
إرادة اللذة والقوة تعني "الفراغ الوجودي" تعني الضيق والملل |
قبل 5 سنوات دخلت في حوارات مختلفة مع مجموعة من الأشخاص الذين حينما كنت أشرح لهم خطورة مفهوم اللذة والقوة على الإنسان، كان ردهم فوراً: وماذا في ذلك؟ نحن نستمتع بهذه الحياة ونريدها أن تكون كذلك. |
كنت أسكت لانني لم يكن لدي إجابة واضحة حينها مع علمي أن هذه ردهم علي قاصر وأقرب للهروب. |
ما جعلني أغوص أكثر وأكثر هو تفاجئي المستمر حينما أقابل أشخاص في قمة النجاح، نعم قمة النجاح المالي أو الشهرة او السلطة ومع ذلك يعبروا عن "الضيق" و "الملل". |
كان لا بد لي أن أفهم بالضبط أين تكمن المعضلة. |
وجدت انه من تتركز طاقته وإرادته للحصول على المال، لا يستطيع أن يقول يكفي، لا يستطيع أن يتوقف عن مقارنة نفسه بأقرانه، لأن الإرادة التي تحركة تطلب منه دوما الصراع، هذه طبيعة الإرادة التي يتبناها. |
فلا يمكن له التوقف عن طلب المزيد من المال حتى لو حقق الكثير منه. ولا يمكن له التوقف عن طلب المزيد من الشهرة حتى لو أصبح في قائمة الأعلى شهرة. ولا يستطيع أن يتوقف عن طلب المزيد من السلطة حتى لو كان في أعلى الهرم. |
فتتولد لديه إحدى الحالتين: |
|
وإذا كانت نهاية إرادة اللذة والقوة هو الضيق والملل، فهل هذه حياة الإنسان؟ هل نحن هنا من اجل هذا؟ |
بالطبع هذه الرؤية الغربية للعالم والإنسان هي المهيمنة على العالم، فظن الجميع أن لا رؤية بديلة لها. |
التوازن: الحل الوهمي الذي تقترحه الإنتاجية المادية |
لأن الرؤية المادية تنطلق أن الإنسان يحاول أن يحقق التالي: إرضاء أهواءه وإتباع غرائزه المادية بشكل مستمر. |
وقد لا يتحقق له ذلك فيعيش في قلق واضطراب وضيق. |
ولكي يحل هذا الإشكال فيجب عليه أن: |
|
وهناك الكثير من كتب التنمية البشرية والتمارين والأدوات التي تساعدك على محاولة تحقيق هذا التوازن. |
ولكن لم تحقق الكثير من الإستمرارية، فتقدم حلاص للحظة معينة سرعان ما تتهاوي في خضم الحياة وتحدياتها المتسارعة. |
الرؤية البديلة: الإنتاجية الإنسانية وإرادة المعنى |
هناك بالطبع رؤية بديلة لا يمكن تجاهلها حتى وإن حاولت الرؤية الغربية لأن عصرنا الحالي تجاهلها. |
هذه الرؤية تقدم الإرادة البديلة للذة والقوة وهي إرادة المعنى. |
وهذا هو المشروع الذي أطوره الآن من خلال "نظام التخطيط العبقري". |
كيف يمكن لنا أن ننقذ الإنسان من مجرد إرادة اللذة والقوة لنضيف لها إرادة المعنى والتي تهتم أيضاً بالجانب الروحي للإنسان المركب من مادة وروح. |
أريد أن ألفت إنتباهك هنا ان هناك رؤية أخرى روحية فقط، وهي أيضاً رؤية قاصرة لأنها تستبعد الجانب المادي في الإنسان، مثل المفاهيم البوذية مثلاً. وسر تعلق الغرب بها هو بحثهم عن بديل لفقدانهم الجانب الروحي في حياتهم. |
فالوجود الإنساني هو بالضرورة "سمو للذات" وتجاوز لها أكثر من مجرد ان يكون تحقيقاً للذات. فيكتور فرانكل "كتاب الإنسان والبحث عن المعنى" |
الإنسان الإنساني، وهو عكس الإنسان المادي، في صورته الغير مادية ويعبر فيها عن نفسه من خلال مظاهر الإنسان الحضاري المتمثلة في: الحس الخُلقي - الحس الجمالي - الحس الديني. دمج كتابات المسيري وفرانكل (بتصرف مني) |
ويمكن لنا ان نفهم المعنى من خلال 3 أركان رئيسية: |
1. يتحقق المعنى من خلال المسؤولية والعمل |
المعاناة والبحث عن المعنى تأكل الضيق والملل |
إن حياة الإنسان التي تتجلى فيها إرادة المعنى لا يكون فيها الضيق والملل عنوان، بل تصبح مجرد مشاعر ثاناوية تأتي بشكل خافت بظهور طبيعي محدود وغير مستمر. ولا تظهر هذه المشاعر كمرض عضال مستمر يؤدي إلى تعاطي العقاقير والمهدئات وزيارة عيادات الأطباء النفسيين. |
فمشاعر الضيق (التوتر) تتجلى بقوة مع إحساسك بعدم القدرة على تحقيق اللذة والقوة. |
أما مشاعر الملل (الكآبة) فتتجلى بكثرة تحقيق اللذة والقوة. |
أما المشاعر التي تتجلى بإرادة المعنى هي مشاعر "الرضا". |
حالة "الرضا" التي تتجلى من "إرادة المعنى" |
في هذه الحالة، يعرف الإنسان حدوده جيداً. فهو يعرف أنه لن يكتشف كل الحقيقة، ولن ترضخ الطبيعة له. فكل العلوم التي يتعلمها ويستكشفها يجب أن تكون من أجل معنى يبحث عنه، وليس العمل من أجل العلم، أو التقدم من أجل التقدم. |
ويعرف هذا الإنسان أنه مادي يعيش في الطبيعة وضمن قوانينها، ولكنه روح قادرة على تجاوز الواقع. |
فهو يعيش في الطبيعة ولكنه غير خاضع لها ويستطيع تجاوز تناقضات الحياة من خلال بث الأمل رغم الألم، والتطلع للحرية رغم العبودية، والتحلي بالإرادة رغم القهر، وبالإبداع والذكاء رغم الغباء والنمطية، وبالصدق رغم الضلال، والأصالة رغم الزيف. |
ختاماً: شاركني انطباعك |
سعيد بوصولك إلى ختام هذا العدد، وأدعوك مرة أخرى ان لا تردد أبداً بالرد على هذه الرسالة بأي فكرة أو خاطرة أو ملاحظة أو مقترح، وسأكون شاكراً ومقدراً تواصلك. |
أتمنى لك يوماً سعيداً.. |
التعليقات