شـامـل | الجمال الطفولي البراق: سحر يُخفي قُبح الأخلاق | العدد #39 |
| 28 أكتوبر 2025 • بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 39 • عرض في المتصفح |
|
لطالما كانت الأخلاق مرآة الإنسان الحقيقية، تكشف عن نقاء قلبه أو سمومه، بعيدًا عن خداع المظاهر البراقة. فالجميل شكلاً، إذا فُقدت فيه الفضائل، لا يستطيع إلا أن يظهر قبحه الداخلي من خلال كلماتٍ، أو تصرفات، أو إشارات دقيقة، تجعل من حوله يبتعدون عنه. هذا الإنسان غالبًا ما يكون أسير غروره، محاصرًا في عالم يقدّس الشكل على الجوهر. فالجمال الخارجي قد يسحر العيون، لكنه قد يكون سحرًا ممزوجًا بالسمّ، يتسلل عبر الغرور والتكبر والنرجسية، ليصبح الإنسان جميلًا على السطح، وقبيح القلب في الأعماق، يستنفر كل من اقترب منه.وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن للجمال الخارجي أن يخفي، في غياب الأخلاق، وجه القبح الخفي؟السؤال ليس مجرد فضول فلسفي، بل انعكاس لتجارب حياتية يعيشها الكثيرون، حيث يصبح الاعتماد على المظهر فخًا يُبعد صاحبه تدريجيًا عن جوهره الأخلاقي، محوّلًا الجاذبية إلى إغراء خادع قد يقوده في النهاية إلى العزلة والنرجسية.
|
|
|
الجمال العفوي: إطراء يختبر الجوهر |
|
في البداية، قد يبدو الإنسان الجميل محظوظًا بنعمة الجاذبية التي وهبه الله - عز وجل، لكنه غالبًا ما يغفل الجانب الخفي لهذه النعمة. الإعجاب بالمظهر الفطري العفوي يولد حوله هالة من الانبهار، تجعل الآخرين يتقربون منه دون وعي حقيقي بمكنونات شخصيته. هذا الإطراء المبكر قد يغريه بأن يظن أن الحب والتقدير ينبع من جوهره، بينما الحقيقة أن كل شيء كان سطحيًا، قائمًا على سحر الشكل وحده. |
|
ومع مرور الوقت، تتحول هذه الهالة إلى سم نفسي يغذي الغرور والنرجسية، ويبعد الشخص عن وعيه الأخلاقي. وهنا تتجلى حكمة الدين، إذ حثّ النبي ﷺ على اختيار الزوجة الصالحة لما فيها من فضل، فقال: "تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (صحيح البخاري). فالحديث الشريف يضع معيارًا أسمى من الشكل أو الثروة أو النسب؛ معيارًا يقيمه الجوهر الأخلاقي والروحاني، ويشير إلى الطريق الأمثل للسعادة والثبات في العلاقة الزوجية، بعيدًا عن فخاخ الجمال السطحي والغرور الاجتماعي. |
الجوهر ينتصر: زوال سحر المظاهر |
|
رغم قدرة الجمال على اجتذاب الأنظار، فإن السحر الخارجي عاجز عن استمرار العلاقات أو بناء الثقة الحقيقية. تمامًا كما أن واجهة مطعم فاخر لا تضمن جودة الطعام، فإن المظهر الجميل لا يعوض عن قبح الروح أو سوء التصرفات. تجربة التعامل مع هذا النوع من البشر تكشف الجوهر: من يخفي وراء مظهره البراق قلبًا سامًا يبعد الآخرين تدريجيًا، ويظهر قبحه الداخلي مع مرور الوقت. |
|
هنا يتجلى الفرق بين المعايير الثلاثة المادية أو الشكلية، ومعيار الدين والخلق: الجمال، المال، والنسب قد يجذبون لفترة قصيرة، لكن دوام العلاقة وأثرها الإيجابي لا يستمر إلا بالجوهر الأخلاقي، كما أكد الحديث الشريف عن فضل اختيار ذات الدين. |
|
التعافي النفسي: رحلة النجاة |
|
الهروب من الشخص السام هو الخطوة الأولى نحو التعافي النفسي. محاولة تغييره أو إصلاحه تشبه الإمساك بالهواء؛ جهد بلا جدوى. الابتعاد يمنح الفرصة لاستعادة الطمأنينة الداخلية، وتبدأ لحظات الهدوء الصغيرة: أصوات العصافير صباحًا، كوب الشاي المفضل، وحديث الصادق مع أشخاص نقيي القلوب، فتبدو الحياة أكثر نقاءً وجمالًا. |
|
هنا يتجلى جمال الروح الحقيقي، الذي يمنح السعادة والراحة العميقة، ويثبت أن الجمال الخارجي مهما كان براقًا، لا يغني عن نقاء القلب وصدق المعاملة، ولا عن المعايير التي وضعها الدين لبناء حياة مستقرة وسعيدة. |
الأخلاق والدين: النور الذي لا يذبل |
|
في الختام، يبدأ الانبهار بالمظاهر وينتهي بالإدراك العميق لقوة الجوهر. الجمال الخارجي قد يخدع العين، لكنه عاجز عن خداع القلب أو بناء علاقات متينة. الابتعاد عن العلاقات السامة يفتح الباب لإعادة اكتشاف جمال الروح، وبناء حياة قائمة على الأخلاق والدين. |
|
الأخلاق والدين هما الضوء الذي لا يذبل، والبلسم الذي يشفي النفوس، والجمال الحقيقي الذي يبقى للأبد. فالسعادة ليست في الجاذبية البصرية أو المال أو النسب، بل في نقاء القلب وصدق المعاملة. وهنا يظهر فضل اختيار ذات الدين كما أرشدنا النبي ﷺ، فالسعي نحو الجمال الأخلاقي والديني هو الطريق إلى حياة مستقرة وسعيدة للأبد. |



التعليقات