شـامـل | المبادرة والعطاء بلا حدود… طريقك للاستغلال والجحود | العدد #38

21 أكتوبر 2025 بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي #العدد 38 عرض في المتصفح
للمبادرة دور عظيم في بناء شبكة من العلاقات، سواء على الصعيد الإنساني أو العلمي. لها سحر التمييز الذي يجعل لك بصمة مختلفة يشعر بها الآخرون. فالمبادرة تعني القدرة على فعل ما لا يفعله الآخرون أو ما يتجنبونه، وأحيانًا تحمل عبئًا مضاعفًا يزيدك قوة وشجاعة في نظرك ونظرهم أيضًا. إنها نبراس من العطاء والكرم، فالشخص المبادر بلا شك يملك هذه الخواص الأساسية.لكن، لنكن صادقين، فالمبادرة أحيانًا تُقابل بأنواع متنوعة من الرفض، سواء في العلاقات أو العمل. بعض الناس يرونها نوعًا من التحكم، أو السيطرة، أو التدخل في مهام الآخرين. وبعضهم يشعر بالغيرة أو الرهبة، لأنه يعلم أنه لن يستطيع الوصول إلى مستوى العطاء والمثابرة نفسه. وقد يلجأ البعض إلى أساليب ملتوية لمنعك من الاستمرار. هنا يجب أن ندرك أن المبادرة غير المتزنة قد تؤتي نتائج عكسية، لأن الناس ليسوا على مستوى واحد من الوعي؛ فليس كل من نبادر تجاهه يستحق ذلك، وأحيانًا يكون الامتناع أفضل من العطاء العشوائي.

أنماط البشر في تفسير المبادرات

ليس كل البشر متساوون في تلقي المبادرة. يمكن تقسيمهم كما يلي:

الشخصية النرجسية: تتميز بإحساس مبالغ فيه بالعظمة والحاجة المستمرة للإعجاب، ونقص التعاطف مع الآخرين. يسعى هذا النوع للظهور متفوقًا في كل شيء، وقد يقلل من قيمة مبادراتك لأنه يعتبرها تهديدًا لمكانته. التعامل معها يتطلب وضع حدود واضحة، الحفاظ على الذات، وعدم توقع تقدير عاطفي حقيقي..

الشخصية الغيورة: تشعر الحسد والغيرة تجاه نجاحات الآخرين، وقد تحاول التقليل من جهودك أو تقليل قيمة مبادرتك. الغيرة قد تظهر في انتقادات مستمرة، مقارنات سلبية، أو رفض للنجاحات التي تحقّقها. للتعامل معها، من المهم حماية نفسك نفسيًا، وعدم الدخول في منافسة مفتوحة، وتقديم المبادرة بحذر..

الشخصية التنافسية: تسعى دائمًا للتفوق على الآخرين، وقد ترى في مبادراتك تهديدًا لمكانتها. هذا النوع قد يحاول تعطيل أو إفشال مساعدتك، ليس بدافع الشر، بل من باب المحافظة على مكانته. أفضل استراتيجية للتعامل معها هي التعاون الذكي، إبراز الفائدة المشتركة، وتجنّب المواجهة المباشرة إذا لم تكن ضرورية..

الشخصية الاستغلالية: تستخدم الآخرين لتحقيق مصالحها الشخصية دون مراعاة مشاعرهم. قد تستفيد من مبادراتك دون تقدير أو امتنان، أو تحوّل عطاءك إلى فرصة لخدمة أهدافها الخاصة. التعامل معها يحتاج إلى تحديد حدود العطاء، وضمان ألا يكون مبادرتك على حسابك الشخصي أو النفسي..

الشخصية السامة: تجمع بين سمات الشخصيات النرجسية، الغيورة، التنافسية، والاستغلالية، وتؤثر سلبيًا على محيطها. تكون تصرفاتها مستمرة في السلبية، التصيد، وإحباط الآخرين. للتعامل معها، الحدود الصارمة، عدم الانغماس في اللعب النفسي، والامتناع عن أي مبادرة قد تُستغل ضدك..

الشخصية الممتنة: تُظهر تقديرًا وامتنانًا للعطاء والمبادرة، وتُحفز الآخرين على الاستمرار في سلوكهم الإيجابي. التعامل معها سهل نسبيًا، حيث يستمر التواصل المثمر، ويكون العطاء متبادلًا أو على الأقل مرحبًا به..

الشخصية الحنونة: تُظهر تعاطفًا واهتمامًا حقيقيًا بالآخرين، وتخلق بيئة داعمة ومشجعة. تساعدك على الشعور بالطمأنينة أثناء المبادرة، وتشجيع الآخرين دون مصلحة شخصية. التعامل معها بسيط، ويمكن الاستفادة من طاقتها الإيجابية لدعم المشاريع المشتركة..

الشخصية الصادقة: تُظهر نزاهة وصدقًا في تعاملاتها، وتبني علاقات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل. هذا النوع يقدر المبادرة الحقيقية ويُعطي ملاحظات صادقة. التعامل معها يسهل اتخاذ القرارات المشتركة، ويزيد من فعالية المبادرات، ويقلل من المخاطر النفسية للعطاء.

(Dana Behavioral Health)

(Dana Behavioral Health)

حين يتحول العطاء إلى عبء

على الرغم من أن العطاء والكرم والمساعدة أعمال إنسانية جليلة يُثاب عليها فاعلها، يجب إدراك أن أي شيء يزيد عن حده سينقلب ضده. حتى كأس الماء إذا تجاوز الحد يفيض، وهذا المثال يوضح أهمية التوازن في العطاء. العطاء عمل نبيل لمن يحسن إدارته بشكل معقول، ويصرفه لمن يحتاجه فعلًا. لذلك، لا تعطي دون سؤال؛ فالمبادرة أحيانًا تأتي بنتائج عكسية. قمة النبل هي العطاء لمن يطلبه، لا لمن لا يشعر بالحاجة. فمن يعطي بلا حاجة قد يُقابل بعدم الامتنان أو شعور سلبي. لذلك، من حقك أن تضع حدودًا، وأن ترفض العطاء إذا شعرت أنه سيستنزفك مستقبلًا.

فن الامتناع هو أساس لحماية الذات

الامتناع سلوك صحي أحيانًا، لأنه يحمي وقتك وجهدك من الهدر على من لا يستحق. الإنسان الفطن عليه أن يحمي ذاته من السلوكيات السلبية عبر تنمية قدراته الداخلية، وهذا لا يعني منع المساعدة تمامًا، بل تقديمها بشكل محدود وموزون. من المهم أن يكون معيارك في العطاء ليس فقط حسن الظن أو سوء الظن، بل الوسطية: لا تعطي إلا بعد السؤال أو التأكد من الحاجة الفعلية. كما أن الإنسان قد لا يسعى لمقابل مادي، لكنه يحتاج دائمًا إلى تقدير واحترام وامتنان — وهو المقابل الأخلاقي الطبيعي لأي تواصل إنساني.

من يستحق مبادرتك؟

في الختام، المبادرة والمساعدة الإنسانية أعمال نبيلة، وخدمة الإنسان للإنسان واجب أخلاقي وأمر رباني. لكن علينا إدراك من يستحق مبادرتنا: ما صفاته؟ هل سيُمتن حقًا؟ بعض الناس تتقبل العطاء بطيب، والبعض الآخر يرفض ما تقدمه رغم نيتك الصافية. لذلك، لا تستعجل في اختبار الآخرين، وصرف عطائك أولًا لنفسك، ثم لمن يستحق بعد التأكد من حاجته. المبادرة الصحيحة هي التي تحقق أثرًا حقيقيًا، دون استنزاف الذات، ومع احترام كامل للحدود.

مشاركة
شـامـل

شـامـل

«شـامـل» | نشرة بريدية أسبوعية 📩 تُكتب من صُلب أفكار أحمد الحجيلي، ولأن كل فكرة تستحق أن تُروى كاملة، فـ «شـامـل» نشرة شاملة. «شـامـل» ليست مجرد نشرة، بل رحلة فكرية تأخذ قرّاءها إلى زوايا الأدب، والفكر، والثقافة، والتأملات النقدية، وحتى التساؤلات العابرة التي قد تقود إلى رؤى جديدة. لا تتبع خطًا واحدًا، ولا تلتزم بقالب جامد، بل تنمو مع كل عدد، تمامًا كما تنمو الأفكار في العقول، والأزهار في الحقول. في «شـامـل» لا أعدك بموضوعات تُقرأ وحسب، بل بمحتوى يحفّز عقلك، ويثير فضولك، ويفتح أمامك نوافذ جديدة على العالم. 📌 سوف تجد في «شـامـل» ☘ مقالات متنوعة تتناول كل ما يستحق القراءة والتأمل. ☘ تحليلات نقدية تُعيد النظر في الأفكار السائدة. ☘ مساحة مفتوحة لاكتشاف الجديد والمختلف. ☘ محتوى بلا قيود، كالفكرة التي تلهمنا دائمًا. في «شـامـل» الفكرة ليست النهاية، بل البداية لحوار جديد. — اشترك الآن، ودع الأفكار تأخذك في رحلة بين شِعاب عقل الكاتب، إلى أماكن لم تخطر ببالك!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من شـامـل