شـامـل | الوطن حبٌ يسكن الأرواح: ذاكرة تُكتب وسفارة تُعاش وهوية تُرسَم | العدد #34 |
23 سبتمبر 2025 • بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 34 • عرض في المتصفح |
الوطن ليس مجرد أرضٍ تحتضننا، بل هو بيت الروح قبل أن يكون بيت الجسد. إنه الهوية التي نولد بها، والانتماء الذي لا يفارقنا مهما ابتعدنا. حب الوطن حبٌّ بلا سبب، حبٌّ يولد مع صرخة الميلاد ويكبر مع كل خطوة نخطوها على أرضه، فهو الحاضن الأول والظل الذي لا يزول.في ذكرى اليوم الوطني، يليق بنا أن نستعيد هذه الحقيقة الراسخة: الوطن ليس ذكرى نحتفل بها يومًا واحدًا ثم نغفل عنها، بل هو عهد متجدد نعيشه كل يوم. إن اليوم الوطني نافذة نطلّ منها على ذواتنا، ومرآة نرى فيها تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ومن هنا فهو لا يقتصر على رفع الأعلام وترديد الأهازيج، بل يمتد ليصبح مراجعة للذات، وتجديدًا للانتماء، وبناءً لجسور أعمق بيننا وبين وطننا.
|
|
التاريخ ذاكرة أمة ومسؤولية جيل |
إن الأمم التي تنسى تاريخها تفقد بوصلتها، وتتيه في دروب المستقبل. والتاريخ بالنسبة لنا ليس أوراقًا صفراء ولا قصصًا جامدة، بل هو حياة نابضة تحكي كيف اجتمعت القبائل وتوحدت الكلمة وتأسس الكيان. |
التاريخ هو الشاهد الذي يروي للأجيال القادمة كيف ضحّى الأجداد بالغالي والنفيس ليصنعوا لنا هذا الحاضر. وهو أيضًا المسؤولية التي علينا أن نحملها بجدية، فنكتب ونوثّق ونحفظ، لا لمجرد التسلية أو الزهو، بل لأن الأمم لا تبقى إلا بما تدونه للأحفاد. |
ومن واجبنا أن نوسّع مفهوم التاريخ ليشمل القصص الشعبية، الأمثال، الشعر النبطي، والأهازيج التي رافقت مسيرة الناس، فهي كلها جزء من هوية الوطن. كما أن الاهتمام بالمؤرخين والباحثين والمراكز المتخصصة ضرورة لا غنى عنها، لأنهم حُرّاس الذاكرة ومصابيح الطريق. |
أن تكون سفيراً لوطنك |
السفارة ليست منصبًا دبلوماسيًا وحسب، بل هي تكليف لكل مواطن. فحين نسافر خارج الوطن، أو نتعامل مع الآخر، فإننا نحمل صورة الوطن في وجوهنا وألسنتنا وسلوكنا. الابتسامة التي نرسمها، الكلمة الطيبة التي نقولها، الاجتهاد الذي نبذله في مقاعد الدراسة أو ميادين العمل؛ كلها أشكال من أشكال السفارة. |
أن تكون سفيرًا يعني أن تحافظ على قيمك وأصالتك، وأن تمثل وطنك بما يليق به. فكل طالب مبتعث، كل سائح، كل تاجر، كل موظف في منظمة دولية، هو سفير لوطنه شاء أم أبى. وإذا أدركنا هذه المسؤولية صرنا قادرين على تصحيح الصور المغلوطة، وتعزيز حضورنا الثقافي، وفتح قلوب الآخرين بما نحمله من حضارة إنسانية عريقة. |
ولعل من المهم أن ندرك أن "القوة الناعمة" للوطن تكمن في أبنائه، في قدرتهم على أن يكونوا رسل سلام وتواصل وحوار. إننا حين نتمسك بقيمنا الإسلامية والعربية، ونظهرها في تعاملاتنا اليومية، فإننا نُثري صورة الوطن ونغرس احترامه في نفوس الآخرين. |
![]() |
هوية اليوم الوطني: بين الأمس واليوم والغد |
اليوم الوطني ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو علامة فارقة في حياتنا. هوية هذا اليوم تكمن في كونه جسرًا بين الماضي الذي نستلهمه، والحاضر الذي نعيشه، والمستقبل الذي نصنعه. |
فمن دون معرفة التاريخ لن نفهم الحاضر، ومن دون وعي بدورنا لن نبني المستقبل. لذا فإن اليوم الوطني دعوة للتأمل والمراجعة: ماذا قدمنا لوطننا هذا العام؟ ماذا تعلمنا من تراثنا؟ كيف كنا سفراء في الخارج؟ وما هي الصورة التي عكسناها عن وطننا؟ |
كما أن اليوم الوطني فرصة لإبراز التنوع الثقافي داخل الوطن؛ من عادات وتقاليد وألوان شعبية ومأكولات وموروثات، كلها تشكّل لوحة وطنية متكاملة تعكس وحدة في تنوع، وقوة في اختلاف متناغم. |
مسك الختام |
حين نرفع علم الوطن في يومه المجيد، فإننا لا نحتفل بذكرى مضت، بل نجدد عهدًا لا ينقطع: أن نحمل الوطن في قلوبنا، أن نكون له أبناء أوفياء، أن نصون تاريخه ونعيش حاضره ونصنع مستقبله. |
الوطن في يومه الوطني يذكّرنا بأننا امتداد لأجدادٍ بنوا وضحّوا، ومسؤولية لأجيالٍ تنتظر ما سنتركه لهم. وبين البداية والنهاية يظل الوطن هو الحب الأول الذي لا يشيخ، والبيت الكبير الذي نعيش فيه جميعًا. |
فاليوم الوطني ليس خاتمة، بل بداية جديدة نُقسم فيها أن نكون صوت الوطن وسفراءه، وأن نردّد بقلوبنا قبل ألسنتنا: دام الوطن عزيزًا، ودامت رايته خفّاقة. |
التعليقات