شـامـل | لماذا لا يجب أن يكون التحفيز خارجي؟ | العدد #03 |
بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 3 • عرض في المتصفح |
قد نشعر بالرغبة في مشاركة محيطنا القريب، أو ربما الأشخاص الذين نشعر تجاههم بالدفء والود، بمشاعرنا أو قراراتنا المصيرية، على أمل أن يكونوا مصدر التحفيز الذي يشعل رغبتنا أكثر، ويزيد حماسنا ونمونا، مما يعزز رغبتنا في العمل والإنتاج والمثابرة. هذا الشعور فطري في النفس البشرية، التي تتفاعل مع الآخرين، سواء إيجابيًا أم سلبيًا، وتزهو بإطرائهم. قد تتدفق مشاعر السعادة في جسد الإنسان بكلمة تحفيزية قالها أحدهم ثم مضى، لكن هل يمكن لمجرد كلمة أن تغيّر مستقبل شخص ما للأفضل؟ وهل التحفيز الخارجي إشكالية مطلقة؟ وهل استبداله بالتحفيز الداخلي هو الحل الأمثل؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد أن نبحر في مفهوم كل منهما لنصل إلى إجابة شافية.
|
|
الإشكالية في الاعتماد على التحفيز الخارجي |
تتمثل الإشكالية الأساسية، في أي مجال من مجالات الحياة، سواء على الصعيد النفسي، أو الشخصي أو المهني أو المؤسساتي، في الاعتماد على العوامل الخارجية. ينشأ هذا الاعتماد من ضعف أو غياب الحافز الداخلي، مما يؤدي إلى بناء إصلاحات سطحية تعتمد على دعم خارجي قد يكون غير مستدام أو غير مضمون. فالطرف الخارجي، مهما كانت نواياه حسنة أو مصالحه متقاطعة مع مصالحنا، لا يملك نفس الدافع الشخصي الذي يجعلنا نتمسك بأهدافنا بصلابة. |
حتى وإن توفرت مغريات أو مكاسب تضمن استمرار الدعم الخارجي، يظل هناك عنصر مفقود لا يوجد إلا في مكنون الإنسان الداخلي ووجدانه. لذلك، فإن التعويل على الآخرين للحصول على التحفيز قد يكون خطوة غير مضمونة العواقب، وقد يؤدي إلى خيبات أمل متكررة. |
الاستثمار في التحفيز الداخلي كبيئة آمنة |
التحفيز الداخلي عنصر أساسي في حياة الإنسان، فهو ذلك الشعور الممزوج بالنشوة والقوة، والذي لا يمكن الخوف من فقدانه أو ربطه بتقلبات الآخرين، كما هو الحال مع التحفيز الخارجي. إنه القوة الدافعة التي تبني جذور الإنسان العاطفية والفكرية، وتساعده على تحقيق أهدافه، إذ يتدفق داخل جسده كالدّم، ويشتعل كالوقود عند إنجاز مهمة أو إتمام عمل. لذا، فإن الاعتماد عليه رهان مضمون، بشرط الالتزام بالعمل الدؤوب والمثابرة. |
ومن العجائب أن التحفيز الداخلي، رغم تدفقه القوي عند الشعور بالإنجاز، لا يتلاشى عند مواجهة الفشل، بل يعزز لدى الإنسان القدرة على التعلم من الأخطاء والبحث عن حلول جديدة. وهنا يكمن سر قوته؛ فبدلًا من أن يكون مجرد دافع لحظي، يصبح نظامًا متكاملًا يقود صاحبه نحو التحسين المستمر. |
لكن، هل هذا النموذج مناسب للجميع؟ بالطبع لا، فمدى تأثير التحفيز الداخلي يعتمد على شخصية الفرد، وطريقة تعامله مع المشكلات، وحجم التحديات التي يواجهها، ومدى قابليتها للحل. إلا أن الإنسان يستطيع التحكم في حافزه الداخلي من خلال دراسة الفشل، وتحليل أسبابه، ثم استخراج النتائج وابتكار الحلول. وعند القيام بذلك، يعود التحفيز الداخلي للتدفق مجددًا. لذا، فإن الاستثمار في التحفيز الذاتي من خلال المراجعة الدائمة والمحاسبة والمتابعة المستمرة هو الحل الأمثل لضمان استمراريته، وتحقيق الرغبات والطموحات. |
الاعتماد على التحفيز الخارجي .. مجازفة غير مضمونة |
لا شك في أن التحفيز الخارجي يؤدي دورًا في حياة الإنسان، فهو يمنحه السعادة والشعور بالإنجاز، لكنه استثمار غير مضمون إذا اعتمد عليه بشكل كلي أو حتى جزئي. ينبغي أن يشكل التحفيز الخارجي نسبة ضئيلة جدًا من إجمالي الحافز لدى الإنسان، لا تتجاوز 2%، وذلك لسبب رئيسي: حتى يسهل تجاوز أي صدمات أو عواصف خارجية قد تؤثر في استقرار التحفيز الداخلي. |
الاعتماد النفسي على التحفيز الخارجي يمثل مخاطرة كبيرة، خاصة لمن يعانون هشاشة نفسية تجعلهم عرضة للتأثر بكلمة عابرة أو موقف عارض. فقد يتحول هذا النوع من التحفيز إلى سلاح ذي حدين، إذ قد يكون مصدر إلهام في لحظة ما، ثم يصبح عامل إحباط عند غيابه أو تقلبه. لذلك، لا ينبغي للإنسان أن يربط حافزه الذاتي بأي مؤثر خارجي يتجاوز الحد الأدنى، بل يجب أن يعمل تدريجيًا على تقليل هذا الاعتماد، مقابل زيادة معدل التحفيز الداخلي. |
الخاتمة |
ختامًا، إن الاعتماد على العوامل الخارجية في أي مجال من مجالات الحياة يمثل مخاطرة كبيرة، فكيف إذا تعلق الأمر بأحد أهم مصادر السعادة والاستمرارية والإنتاج، وهو التحفيز! وضع التحفيز في يد أشخاص آخرين، سواء كانوا أفرادًا مقربين أو زملاء في العمل أو حتى مسؤولين، هو رهان خاسر، لأن البشر بطبيعتهم متقلّبون، ولا يمكن ضمان دعمهم الدائم. كما أن الاعتماد المفرط على الآخرين يقلل من قوة التحفيز الداخلي، الذي لو تم تطويره وتعزيزه، فلن يتمكن أحد من إضعافه أو النيل منه، مهما حاول. |
لكن، كما أسلفنا، هناك ثمن لاستمرار التحفيز الداخلي، يتمثل في المثابرة، وعدم اليأس، وتقبل المشكلات بصدر رحب، والعمل الدؤوب على حلها. فهذه العوامل هي الوقود الحقيقي الذي يحافظ على تدفق الحافز الداخلي، كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾. هذا الجهاد هو جهاد النفس، ووعد الله هو هداية السبيل، وانعكاس ذلك يظهر في التدفق المستمر للتحفيز الداخلي داخل الإنسان، ليضيء له طريقه نحو النجاح. |
التعليقات